ويسلك مسالك واضحة، ويروم بلوغ المعالي وفق القيم والأخلاق والأعراف النبيلة. ولعل المواطنين السوريين بدؤوا خلال سنوات العدوان بناء الكثير من المحطات التي تؤسس لحالة وطنية جامعة تحاول التقليل من سفك الدماء، وتعيد بعض الذين حملوا السلاح وخرجوا على القانون إلى الطريق الصحيح من خلال عمليات تسوية ومصالحات ما زالت خياراً أساسياً في معالجة المشكلات وقد كانت تلك المبادرات عمليات دعم وتأييد للمهمة التي يقوم بها جيشنا العربي السوري الباسل في التصدي للإرهاب، فضلاً عن المواجهة السياسية والدبلوماسية التي تخوضها سورية بالتوازي مع مواجهة الإرهاب.
وفي السياق ذاته جاءت مبادرة «درع الوطن من حوران» لتكريم أسر الشهداء وجرحى الجيش العربي السوري على امتداد الوطن لتكون واحدة من تلك المبادرات الشعبية التي تتحرك بدوافع الانتماء فتجوب المحافظات كلها لتصل إلى عائلة كل شهيد وكل جريح لتؤكد أن أبناء الشعب السوري أسرة واحدة لا يفرقها عدوان ولا يغير من طباعها إعلام كاذب، ولا تخضع للضغوط الخارجية، ولا تُؤخذ بالأفكار الضلالية، فترفض الإرهاب وجذوره الفكرية، وتتعاون لمواجهته، وتلتقي حول ثوابت الوطن المتمثلة في السيادة والوحدة ورفض الإملاءات والضغوطات الخارجية والتدخل الخارجي الأمر الذي يمثل حالة وجدانية جامعة لكل السوريين الذين لا يرتضون لأحد أن يقرر مستقبلهم تحت أي ذرائع أو أكاذيب مضللة، فيفضحون المتآمرين ويكشفون المؤامرات ويتجاوزونها بالوعي والانتماء والاستعداد للتضحية بكل غالٍ ونفيس ويذودون عن حياض الوطن بالأنفس والأموال وفلذات الأكباد، عادة وطبيعة اعتادها السوريون منذ أن كان وجودهم مع بداية الخلق وبدء الحضارة الإنسانية.
ولعل المبادرة التي بدأت نشاطها بدءاً من درعا واللاذقية وطرطوس تستعد لتكريم شهداء جبل العرب في المحطة التالية لتتبعها نشاطات مماثلة في حمص وحماة وحلب وبقية المحافظات فإنها تجد نفسها مدعوة للمزيد من العمل والدأب باعتبارها تمتلك عوامل النجاح والقوة والاستمرار في ذاتها، إضافة إلى ردود الفعل الإيجابية والصدى الشعبي المريح الذي قوبلت به المبادرة من جانب أسر الشهداء والجرحى وهم يبدون استعدادهم للاستمرار في تقديم التضحيات وحالة الافتخار والاعتداد بالنفس من أمهات وآباء وأقارب الشهداء الذين يفاخرون بأن دماء أبنائهم كانت السبب في حماية حرية الوطن وسيادته ووحدته وحافظت على بنية المجتمع السوري المتكاملة والمتضامنة فضلاً عن حالة الرضا الشعبي والرسمي العام الأمر الذي يرتب على أصحاب المبادرة ومؤيديها وداعميها المزيد من العمل حتى لا تبقى الحالة مجرد احتفال تكريمي ينتهي مع مراسم التكريم، فما الجديد وما المهمة التي يمكن أن تضمن استمرار هذه المبادرة؟.
أعتقد أن التأطير المؤسساتي والتنظيمي يشكل الأساس الفعلي للنجاح، فالمبادرة الشعبية الخالصة تستند إلى الثوابت الوطنية وتمول نشاطها ذاتياً وتضم فعاليات سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية مختلفة وهي تشكل قاعدة وطنية من المواطنين الذين لم يخضعوا للمغريات، ولم يغادروا وطنهم خوفاً، والتزموا الدفاع عن بلدهم ومن ثمَّ فإنهم الأولى بتقرير مستقبلهم ومستقبل بلدهم من خلال التمهيد لحوار وطني حقيقي يمتد عبر المحافظات السورية التي يستطيع أبناء كل محافظة تشكيل هيئة مماثلة تلتزم الثوابت الوطنية بالمنطلقات السياسية المختلفة، فتناقش احتياجاتها وتقدم مطالبها، وتضع شكل وطبيعة سورية ما بعد الانتصار على الإرهاب، إنها الحالة المؤسسة لحوار وطني شامل يقدم للغرب الاستعماري النموذج السوري الحقيقي القادر على الوصول إلى مؤتمر حوار وطني يمثل فيه السوريون أنفسهم، وليس من يرتادون الفنادق الأوروبية الذين يقدمون أنفسهم كذباً ويصادرون صورة سورية فيسقطون ويسقط من خلفهم من نفذ العدوان.