وبما اننا للأسف لم تنشط لدينا السينما عموماً ما عدا(مصر)، وهذه السينما لم تنتبه الى أفلام الأطفال، كما أننا لم نحسب حساباً لهذه الجماهير الصغيرة فقد وقعنا في شباك أفلام الرسوم المتحركة التي تنتجها سينما(هوليود)، وقد صنعوها لأطفالهم وليس لسواهم.. وبما انهم في العالم الجديد لا يملكون تراثاً عريقاً، أو أبطالاً يصلحون كرموز فقد اخترعوا قصصاً جديدة وخلقوا أبطالاً كأنهم من الأساطير، ووصل الأمر الى (أنسنة) الحيوانات التي تعيش بينهم في القارة الجديدة كنموذج ذلك الفأر الشهير الذي بات يعرفه الجميع.
الرسوم المتحركة بما لها وما عليها أصبحت أمراً واقعاً في حياة الأطفال، لا هو بالخير، ولا هو بالشر لان ذلك له تقييم آخر من هذه الناحية.. وهذا الامر الواقع فرضه التلفزيون أولاً، ومن ثم الشاشات التي أصبحت تعبر القارات ، واستأنس بها أطفالنا كما سواهم.. بل أصبحت جزءاً من حياتهم ونحن نمر أمامهم وهم يضحكون، ويندهشون ، وربما يصرخون .. لكن أطفالنا لا يبكون أبداً إذ يشاهدونها.. بل لا يتأثرون.. لماذا؟ ذلك لأن هذه الأفلام لم تصنع لهم أساساً، ولا هي تعنى بتطلعاتهم، أو مشكلاتهم، ولا تُلتقط من العوالم التي يعيشون فيها في بيئاتهم، ولا تجسد الأبطال الذين يلتقونهم في حياتهم ، بل هي (بضاعة) أو سلعة تورّد إلينا مثل كل بضاعة ، أو سلعة وبالدولار في كثير من الأحيان.
هذه ( البضاعة) كما ثبت لدى الدارسين، والمحللين لم تأت بنتيجة إلا التسلية والتسلية فقط.. وهي تنتزع من أطفالنا لتقذفهم في أجواء غريبة عنا لا تحقق لهم أبعد من أنها تمتعهم، وتلهيهم فترة من الزمن ثم ينتهي تأثيرها.. هذا إذا كانت الأفلام الجيدة والتي تصدرها شركات على مستوى عالٍ من الإنتاج .. أما إذا كانت الأمر غير ذلك وهبطت الى الدرجة التجاريةفمعنى هذا أن العنف، والإثارة الى حد الانفجار ، والقصص البوليسية التافهة، واستغلال العلمي بشكل غير علمي على الإطلاق.
ومما يؤكد اهداف تلك الأفلام في انها لم تكن إلا للتسلية فقط انها لم تطرح مشاكل حقيقية تحيط بالطفل عموماً سواء أكان في الغرب أم في الشرق، بينما تزدحم اللوائح العالمية ببنود حقوق الطفل منعاً لما قد يتعرض له من انتهاكات لا تحجبها عنه سنوات الأعمار الصغيرة .. فشركات الإنتاج العالمية لديها قنوات أخرى ومنافذ الى تلك الأهداف بعيداً عن أفلام الإمتاع والتسلية.
اما نحن في هذا العالم المتفجر من حولنا، والذي يكتسحنا بجديد مخترعاته فقد اصبحنا بحاجة لان نؤكد هويتنا ، وأن نتمسك بكل الحبال التي يستهدف الآخر قطعها ليغرقها في بئر الاستهلاك كمتلقين لا أكثر.
فما هو موقفنا إذن من الرسوم المتحركة هذه التي تغزو برامج الأطفال الى ما لا نهاية؟..
ألم يحن الأوان لكي تلتفت المؤسسات الثقافية العربية من رسمية ، وغير رسمية، وشركات الإنتاج التلفزيوني، والسينمائي الى هذا الامر وتضعه في أولوياتها ، وعلى سلم اهتماماتها فترصد الأموال والجوائز لتحرض الكتّاب ، والفنانيين على المضي في اتجاه إنتاج أعمال مرئية للأطفال تكون كبدائل لما هو مستورد، فتكرس له من الاهتمام بمقدار ماتكرسه تجاه اعمال الكبار التي تغرق الشاشات بما هو غث أكثر مما هو سمين؟.. ومن نافل القول ان نكرر ان ماينغرس في نفوس الصغار يصعب اقتلاعه، أو نسيانه.. فما بالنا ببذر هذه البذور الغريبة عنا .. هل نأمل من ورائها حصادات وطنية، أو توحيداً لنظرة أجيالنا في المستقبل نحو أهدافنا القومية؟