دار برقبته حتى استطاع أن يراها وقال لها:
- أنا أحب الكتاب الذي تظهر في كتاباتهم اللمعة الإبداعية التي لا تجدينها عند غيرهم, سأضرب لك مثلاً: كتب صديقي تاج الدين الموسى ذات مرة أن المشاركين في مهرجان المعري, والإداريين, وجانباً من الجمهور, بمجرد ما تنتهي الجلسة المسائية يذهبون إلى أحد المطاعم الفخمة ويلتهمون ما لا يحسب الحاسب من اللحوم.
قالت الزوجة ببرادة: أين اللمعة في هذا? كل الندوات الثقافية يعقبها عشاء!
قال الكاتب: إنهم يأكلون كل هذه الكميات من اللحوم مع أن المسكين المعري أمضى عمره كله وهو نباتي لا يذوق اللحم, ولم يكن ذلك أمراً مزاجياً أو اعتباطياً, بل كان جزءاً من فلسفته, وحينما مرض وصف له أحد الأطباء ديكاً مسلوقاً, فلما أصبح الديك المسلوق في الوعاء أمامه قال له:
- استضعفوك فوصفوك!
واعلمي أيتها الحبيبة أن الذين يحضرون الندوة المسائية قد لا يتجاوز عددهم العشرين, بينما يتجاوز عدد ضاربي الخاشوقة في المطعم المئة شخص, وكتاب محافظة إدلب ليسوا بينهم بالطبع, لسبب بسيط هو أن رئيس اللجنة المنظمة للمهرجان لم يسمع بهم, وهذا ليس عيباً فيه, فالرجل أساساً ليس من الوسط الثقافي, أو الأدبي, أو الصحفي, وليس معنياً بحفظ أسماء أولئك النكرات النرجسيين.
قالت: فما العمل برأيك?
قال: سأقترح على السيدين وزير الثقافة ومحافظ إدلب أن يوعزا لإدارة المهرجان بأن يكون برنامج الإطعام في مهرجان المعري فولكلورياً وينطوي على احترام للرجل المحتفى به, فيكون قوامه البقوليات والنشويات وشيئاً من الدبس والسبانخ والخبيز, ولا بأس بصحنين من الجرجير الذي قالت في مديحه الشاعرة العربية المناضلة ما لم يقله مالك في الخمر.
ولأن المعري أمضى عمره عازباً, لم يجن على أحد, ولأننا نستطيع تعميم فلسفته هذه على الناس, فإنني اقترح استبعاد أي رجل متزوج من اثنتين أو أكثر من حضور المهرجان, واستبعاد كل من زاد عدد أولاده على ثلاثة أيضاً.
قالت الزوجة: أنت عندك أربعة أولاد.
قال: أنا بطبيعة الحال مستبعد لأنني-كما تعلمين- واحد من كتاب إدلب العفشيكا الذين لم يسمع بهم رئيس اللجنة المنظمة للمهرجان.