تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


سؤال العيد

معاً على الطريق
الأربعاء 6-7-2016
أنيسة عبود

يقولون اليوم عيد.

أنا لم أره يتجول في شوارع المدينة.ولا رأيت ضحكته معلقة على نوافذ البيوت.‏

أنا رأيت بيوتاً مغلقة ونوافذ حزينة. ورأيت أطفالاً يرتدون ثياباً قديمة لا تزينها الألوان المبهجة ولا الحلوى اللذيذة.‏

ورأيت.. كأني رأيت أصابع أقدام تخرج من أحذية بالية لتدل على غبار الطريق. ورأيت الطريق وحيداً رأيت العتمة بأم عيني تمدّ رأسها من فوق الأسطحة وتشهق من وحدتها.. لا باقات ورد بيد العشاق ولا باقات شوق تنعطف خلف الأبواب.‏

مفجوعات صبايا الحارة.. لم يرجع الشبان الأبطال من المعركة.. ولم تحضّر الامهات كعك العيد.. السكر غال.. والسمنة البلدية مقطوعة وبلح تدمر لم يثمر منذ أعوام.‏

لا حلويات ولا فستق حلبي لا جوز ولا لوز فلماذا يأتي العيد؟ أو ماذا نقدم للعيد؟‏

الشبان في الحرب.. والحرب نكبة جلبها وفرضها علينا الغرب الباغي الذي يسرق أعيادنا وفرحنا وابتسامة الأمل في وجوه أطفالنا.. الغرب حرامي.. ونحن لم نحسن مواجهة الحرامي.. الغرب يلبس دمنا.. ودمنا أرخص من البترول.. الدم لا يعرف العيد. والغرب اللعين لا تعنيه دماءنا. الغرب يسرق العيد من بين أصابع الأمهات.. والأمهات تمرسن على الغياب وتمرسن على الصبر.. يعلقن صور أبنائهن الشهداء ويجلسن قرب الباب لا يلبسن جديداً ولا يأكلن الحلوى.. ستموت الأم إذا ابتسمت للعيد. فالعيد هو ابنها.. هو وطنها.. والعيد لا يحب الأحزان.. وقلوبنا مليئة بالأحزان فكيف سيمضي أيامه عندنا؟‏

يقولون اليوم عيد..فهل رأيتم موكب العيد صباحاً؟‏

كان يعبر من حي ّ إلى حي. وكان الأطفال يحاصرونه بالحلوى والثياب الجديدة..اليوم لم أجد أبواباً مفتوحة للعيد.‏

أنا مثل الجميع أغلقت بابي في وجه العيد.وعندما سمعته يدق لم أفتح.ولن أفتح فالزيادة في الأسعار حرمتنا العيد ولمّة الأحباب والأصحاب. ولنعترف بأن الجميع يقفل بابه ويدعي أنه غير موجود في العيد.‏

لا تعتبوا على الموظف.. ولا تخاصموه.. بل عليكم أن تحزنوا عليه وعلى أعياده الهاربة كما تهرب سنين العمر. مع ذلك لابدّ من الأمل. ولا بد من الصبر.. ربما يأتي العيد ذات يوم وقد تغيرت الأحوال. لكن لابدّ من الهمس ولو سراً (عيد بأي حال عدت يا عيد؟ )‏

لكن العيد يأتي وحده.لا ينتظر دعوة ولا إذناً لذلك قد يخبط على بابك فجأة.. يمكنك أن تبقى ساكناً ولا ترد..ويمكنك أن تقدم له القهوة وتعتذر عن الحلويات وتخبره بأنك أنت لم تذقها منذ أعياد سابقة.وليس لك أصدقاء مثلي يرسلون البن والحلوى.. عليك أن تظهر للعيد عذرك حتى لا تبدو بمظهر البخيل.. وعليك أن تذكره بالأيام التي مضت.لكن لا داعي لذلك. لأن هذا الحديث يثير الشجون ويفتح الجراح ويذكرك بالغائبين الذين سافروا ولن يرجعوا أبداً.. قد تذرف دموعك.وتشتم هذا الزمن الذي وصلنا إليه.‏

لكن الزمن لا يستحق الشتم..نحن من نستحق ذلك. نحن أتينا بجحافل الغرب وجحافل القتلة إلى بيوتنا وعقولنا وقلوبنا.. ونحن من قال للأميركي والصهيوني والسعودي أنت لك حصة في بلادنا وفي أفكارنا وأعيادنا.. نحن بعنا العيد.. العيد كان للفقراء والمتعبين.. واليوم صار للتجار والفاسدين وأولاد الحرام.. فلماذا يعيد الأطفال الأوربيون ولا يعيد أطفالنا؟‏

لماذا؟؟ لا, لن أكثر من كلمة لماذا لأنها تجرح القلب وترمي بنا في أتون الغضب.. والغضب غير محمود..فالدنيا عيد..وعلينا أن نجد طريقة لنلاقي هذا العيد ولو بقطفة حبق. المهم أن نفتح الأبواب.. ونستقبل الأحبة.فكلنا نحتاج إلى الكلام.نحتاج من يسمعنا ومن يتذكرنا..‏

نعم.. نحتاج أن نتذكر وأن نبكي ونفرح ونتأمل.. نحتاج ضجة الأقرباء والأصدقاء.. نحتاج ذاك السهر الطويل لصنع المعمول والغريبة وأقراص السكر..لكن.. نحتاج أيضاً أن ننسى الكثير من العتبات المهجورة. والنوافذ المسافرة.. نحتاج أن ننسى أسماءنا ونضع اسماء جديدة لأجسادنا التالفة لعل زمناً جديداً يأتي. لعل طاقة خلاقة تتولد في أعماقنا فنغفر ونحب ونعيد ونقول للوطن وللرابضين على حدود الشهادة والدم كل عيد وأنتم بخير.‏

كم احتاج أن أعيد البحر و بردى وقاسيون وحلب وسد الفرات والعاصي وزيتون درعا وجبل الشيخ وبقعاتا وجبل عبد العزيز وجسر دير الزور المعلق على أحزاننا.. كل عام وانتم بخير.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 أنيسة عبود
أنيسة عبود

القراءات: 636
القراءات: 743
القراءات: 690
القراءات: 643
القراءات: 662
القراءات: 610
القراءات: 629
القراءات: 827
القراءات: 877
القراءات: 715
القراءات: 691
القراءات: 713
القراءات: 712
القراءات: 805
القراءات: 708
القراءات: 709
القراءات: 695
القراءات: 778
القراءات: 688
القراءات: 836
القراءات: 699
القراءات: 747
القراءات: 837
القراءات: 915
القراءات: 710

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية