تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


التماساً للعذر..!

معاً على الطريق
الأربعاء 11/4/2007
علي قاسم

يبدو أن مقولة أهل مكة أدرى بشعابها قد تبدلت لدى الكثير من أدباء الغرب ومثقفيه حيث يقدمون أنفسهم على أنهم الأدرى بأهل مكة وشعابها.

إذ لا يخلو حديث لأديب أو مثقف غربي من الاشارة تلميحاً أو تصريحاً إلى ضرورة الاستفادة من تجربته والعمل على تعميمها.‏

ولتبرير ولوجه لهذا الشرق المليء بالالغاز حتى اخره, فإنه لا يتردد في سرد مقدراته على فك تلك الألغاز بطريقته, لتصبح الرسالة الدائمة الموجهة هي تبديد الألغاز تلك مع مسحة من الوعظ .‏

ربما كان الاختلال في المناخ الذي أتاح لأولئك الحديث المسهب عن دورهم في تغيير أنماط السلوك والتأثير في توجهات مجتمعاتهم, مقابل تراجع مطرد في دور نظرائهم من أبناء المنطقة, ربما كان هذا الاختلال, قد برر بشكل ما القبول بذلك الطرح, بل وساهم في التماس العذر لتلك الرؤية المتخمة بالنصائح والارشادات.‏

هذا الأمر بالتأكيد ليس جديداً, ولكنه في عصر العولمة يأخذ منحى مختلفاً وخطيراً, حين يتحول إلى شكل من أشكال تكريس التفوق الغربي حتى في سلوك بعض أدبائنا ومبدعينا وصولاً إلى تحديد مساحة أدوارهم وفق منهجية تقر سلفاً بقبول ذلك الطرح, باعتباره رؤية سابقة لنا في الزمان والمكان.‏

المفارقة هنا ليست في ذلك القبول فحسب, بل أيضا في اعتباره حجة للذهاب بعيداً في التماس العذر إلى حد المقارنة الخاطئة, وفي أحيان كثيرة إلى حد الاتكاء عليه كدليل دامغ على فرضيات يسوق لها الغرب بأشكال ووسائل مختلفة.‏

ولو أن القضية كانت معكوسة, بمعنى لو حاول أحد ما أن يقدم نفسه على أنه قادر على فهم التجربة الغربية من واقع تعاطيه العملي معها, أو لو أن أحداً حاول تقمص دور أولئك في سرد تجربته الذاتية كشكل من أشكال التعويض عما يفتقده ذلك الغرب من خصوصية ميزت هذا الشرق, فإن ردة الفعل الأولى كافية لفهم حقيقة الموقف من هذا الشرق.‏

وبالتوازي معها, لو أن ما يتم قبوله من نصائح وارشادات مجرد حصيلة للتفوق الغربي تكنولوجياً وعلمياً وصناعياً, لكان الأمر قابلاً للفهم, ولكن أن يتحول إلى ذريعة لكي يقبل الآخر من هذا الغرب ما يرفضه, وما يعتبره أحد عوامل تأخره حضارياً وحتى ثقافياً, فإن القضية تصبح أمراً مختلفاً كلياً.‏

ربما اقتضت الضرورة, وحالة الغثيان القائمة نتيجة التدهور المستمر في أحوال المنطقة وبروز معطيات صراع أثرت بشكل مباشر في النتاج الحضاري والثقافي لأبنائها أن يتم التعاطي مع ذلك الطرح من زاوية مختلفة تقتضي فيما تقتضيه الادراك الأولي لدلالات الانغماس المباشر في الترويج لتلك المقولات.‏

وإذا ما أخذنا جملة من المواقف التي يطلقها أدباء وكتاب كبار في الغرب حيال معضلة التعاطي مع هذه المنطقة بمشكلاتها ومخاوفها وهواجسها, فإن الضرورة تملي التمعن في الصورة التي ترتسم في أذهان أولئك, والادراك بأن القضية ليست مجرد التماس للعذر بل هي في جوهرها متخمة في تأكيد التفوق, والأخطر تأكيد القصور الذاتي الذي تواجهه المنطقة.‏

وبعيداً عن الحسابات والاستنتاجات التي تقبل التأويل, لا بد من النظر إلى القضية بأبعادها الخطيرة في وقت نتعرض فيه للاستلاب جهاراً, ونقبل ذلك الاستلاب إلى الحد الذي يدفعنا في أحيان كثيرة إلى التماس الأعذار لأولئك, وصولاً إلى قبول طروحاتهم كشكل من أشكال قبول الآخر, والرغبة في فهمه, في حين يصر ذلك الآخر على تقديم فهمه لنا كما يريد وكما يرغب, وبالشكل الذي يحقق له رغباته دون اعتراض أو تذمر.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 علي قاسم
علي قاسم

القراءات: 7091
القراءات: 1010
القراءات: 1169
القراءات: 955
القراءات: 956
القراءات: 943
القراءات: 1074
القراءات: 905
القراءات: 844
القراءات: 941
القراءات: 990
القراءات: 875
القراءات: 813
القراءات: 864
القراءات: 1068
القراءات: 947
القراءات: 766
القراءات: 954
القراءات: 975
القراءات: 1036
القراءات: 991
القراءات: 869
القراءات: 1039
القراءات: 948
القراءات: 1079

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية