تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


حربٌ نفسية فاشلة

محطة
الأثنين 26-1-2009م
د. خلف الجراد

لا نبالغ بالقول إن أكثر ما يخيف الدول الغربية الحليفة لـ «إسرائيل» والقوى والشخصيات السياسية والأكاديمية والإعلامية المؤيدة لها.. أن تقتنع الجماهير العربية بأن ما حققته وتحققه المقاومة (في لبنان وفلسطين) من نجاحات في مواجهة الآلة العسكرية الاسرائيلية التدميرية،

هو أمرٌ واقعي بإمكانه النمو والتطور والتصاعد، وصولاً إلى كسر القوة الصهيونية المتغطرسة وإجبارها على الاعتراف بهذه المعادلة الجيواستراتيجية الجديدة.‏

فمن المعروف أن باحثين ومحللين غربيين وإسرائيليين عديدين كانوا دائمي التنبيه إلى «خطورة نجاح عبد الناصر في إقناع الرأي العام العربي بتحدي النفوذ الاستعماري»، لأن ذلك من شأنه تحطيم عامل الردع السيكولوجي (النفسي)، المزروع في وعي الناس وأذهانهم بأن «القوة الغربية المتقدمة لا تقهر، ولن ينجح أحدٌ من العالم الثالث في تحديها ومقاومتها».‏‏

لذلك كانت جهود الدول الغربية الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية منصبّة على إسقاط جمال عبد الناصر، فضلاً عن وصم منهجه بـ«عدم الواقعية»، وذلك عن طريق توجيه «الضربات التأديبية» الدورية القاسية ضد حكمه وشعبيته الهائلة في الوطن العربي، بهدف إفهام الجماهير العربية أن تحدي الغرب أمرٌ مستحيل.‏‏

وما حصل قبل ذلك تجاه عمر المختار ويوسف العظمة وغيرهما من رموز المقاومة الوطنية العربية، يؤكد هذه الاستراتيجية الاستعمارية الموروثة والمستمرة.‏‏

وما تمارسه «اسرائيل» منذ اقامتها في عام 1948 يشكّل تجسيداً لهذا الأسلوب السياسي-النفسي التقليدي، الذي يقوم على إنزال أوسع تدمير وقتل وسفك دماء بالقوى الشعبية المدنية الحاضنة للمقاومة، بغية فك الارتباط بين الجانبين، وجعل المواطنين يعتقدون بأن دعم المقاومة لن يجلب لهم سوى الهلاك، ومحاولة إيصالهم نفسياً ومعنوياً إلى مرحلة اليأس والإحباط والتسليم بالهزيمة، وهو ما حاولت «اسرائيل» التركيز عليه منذ عام 1967 إلى اليوم عبر وسائلها الإعلامية المختلفة وحربها النفسية الممهدة أو المتزامنة أو اللاحقة لحروبها العسكرية المستمرة بمعدلات متواترة.‏‏

وبالتالي، فإن خوف «اسرائيل» والدول والمؤسسات والقوى الداعمة لها، لا ينحصر في «حزب الله» أو «حماس» أو «الجهاد» أو «الشعبية» أو غيرها من منظمات المقاومة، وإنما الخوف من اقتناع الشعوب بنهج المقاومة، وتحوّل إعجابها وتعاطفها الكبير إلى اعتقاد راسخ وفكر وإيديولوجية وايمان لا يتزعزع. وعندئذ تصبح المقاومة «واقعية» سياسية لا مناص من التعامل معها، وتتلاشى ألاعيب التسوويين، وتفشل تكتيكاتهم، القائمة على «التفاوض للتفاوض»، لأنها ببساطة لا تستند إلى أي دعم جماهيري من جهة ولا تحمل أية أوراق قوية لفرض شروطها وتوجهاتها من جهة أخرى.‏‏

لقد أظهر العدوان الأخير ضد أهل غزة وحجم الضحايا الكبير من الأطفال والنساء والشيوخ والمدنيين عموماً، وقبله على أهل الجنوب والبقاع في لبنان (في عام 2006) أن «اسرائيل» معنية «بتحطيم دماغ» ومعنويات الشعب الحاضن للمقاومة، لئلا تتجذر في تلافيفه الفكرة القائلة بـ«واقعية» المقاومة ونهجها وأسلوبها، والايمان بإمكانية وحتمية نجاحها وانتصارها على العدو الصهيوني ومشروعه الاستعماري الدخيل.‏‏

وفي هذا السياق تجدر الاشارة الى أن انتصارات المقاومة وصمودها منذ عام 2000 إلى اليوم، شكلت رافعة قوية لمشاعر الأمة وتلاحمها العظيم، ما يعني فشلاً ذريعاً للنهج الاستسلامي الذي حاول الهيمنة على مدى العقود الأخيرة، وبذلك تحطمت عناصر مهمة من خطة الحرب النفسية للأعداء، في مقابل انتعاش المدّ النضالي والجرأة في المظاهرات الضخمة والشعارات المرفوعة، الداعية إلى الانخراط في المقاومة ورفض مظاهر الاستسلام وعدم قبول «واقعية» اليائسين، اللاهثين خلف ألاعيب العدو ومخططاته ومشاريعه التوسعية الخطيرة.‏‏

وغنيٌّ عن القول أن من يتجذر في الأرض، مستقوياً بشعبه هو الذي يملك أقوى الخيارات والأوراق، وبالتالي فإنه يمهد السبيل أمام توسع دائرة الالتفاف الشعبي حول نهجه، والوصول إلى إبداع أساليب جديدة في المواجهة والتفاوض بآن معاً، دون تجاهل أي طاقة أو كفاءة أو خبرة فلسطينية أو عربية أو حتى أجنبية صديقة، داعمة للشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية المشروعة.‏‏

وتبقى اللحمة الوطنية الفلسطينية بالمعنى الواسع لها هي الخيار الأقوى والسلاح الأمضى، الأمر الذي يتطلب حوارات معمقة وقبولاً للاختلاف ومرونة واسعة، وعملاً على التنسيق الميداني بين قوى المقاومة والجماهير الشعبية الداعمة لها علىالأرض في مواجهة العدو المشترك، الذي يخشى هذه الوحدة المبنية على نهج المقاومة الشاملة، وعدم التفريط بأي حق من الحقوق التاريخية والوطنية والسياسية والقانونية والإنسانية للشعب العربي الفلسطيني.‏‏

kh-aljarad@hotmail.com‏‏

تعليقات الزوار

أيمن الدالاتي - الوطن العربي |  dalatione@hotmail.com | 26/01/2009 00:53

أبدع الكاتب في أسلوب التعبير عن فكرة المقالة, فجاءت واضحة المعاني واستقرت مباشرة في ذهني كقارىء, وليس من ملاحظة عندي إلا بأمر الخاتمة إذ أجد الوقت مازال مبكرا مع كل أسف لتحقيق الوحدة الفلسطينية, لأن السلطة أي عباس وشلة عباس تقف كلية خلف إسرائيل مع أنظمة الإعتدال العربي ضد ترسيخ نهج الممانعة والمقاومة في نفوس العامة, وهذه القوى المتخاذلة مازالت قادرة على الحركة, ومع كل حدث يزداد عداؤها لكل ممانعة ومقاومة, بل ومستعدة لتدمير الأرض والتفريط بكل حق عام في حرصها على مصلحتها الشخصية الآنية.

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 د.خلف الجراد
د.خلف الجراد

القراءات: 1866
القراءات: 968
القراءات: 1081
القراءات: 963
القراءات: 1022
القراءات: 987
القراءات: 2052
القراءات: 2915
القراءات: 2102
القراءات: 1276
القراءات: 6491
القراءات: 1482
القراءات: 1209
القراءات: 1283
القراءات: 1132
القراءات: 1429
القراءات: 1290
القراءات: 1103
القراءات: 1144
القراءات: 1299
القراءات: 1240
القراءات: 1097
القراءات: 1248
القراءات: 1258
القراءات: 2509

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية