ورغم أن التجربة الطويلة الممتدة في التعاطي الغربي مع الإرهاب قدّمت فائضاً في النفاق السياسي، فإنها في نسختها العسكرية منها لا تقل في فائض النفاق، ولا تنطوي على أي جدية ما يجزم بقاء الترويج في إطار البروباغندا الجديدة، القائمة على فرضيات يستجدي عبرها الغرب إعادة تدوير المواقف لتكون أقل صدامية مع النتائج، وأقل مسؤولية في تحمل تبعات الاهتزازات القادمة على ضوء ما تشهده المنطقة.
المفارقة ليست في هذا التبدل بالمزاج الغربي الذي يفترض بالضرورة مقاربات غربية مختلفة، وربما مناقضة لسنوات طويلة من السياسة الذرائعية، التي ملأت المنطقة بعوامل التطرف الأعمى عبر ممارسات وصفقات في السياسة وتحالفات في المواقف مع دول كانت ولا تزال ترعى وتمد الإرهاب بأسباب البقاء، ومن ثم في مرحلة لاحقة بأسباب وعوامل الانتشار.
لكن ما يستشف حتى اللحظة أن الترويج الغربي والأوروبي على وجه التحديد للمواجهة العسكرية مع داعش في أفضل حالاته ليس أكثر من أبواب إضافية للذرائع في رفع المسؤولية السياسية الضاغطة في كل الاتجاهات، وفي أقله لا يعدو كونه إجراء احترازياً مسبقاً يحاول أن يحاصر الارتدادات القادمة بالحد الأدنى من التداعيات والانعكاسات، وقد سبقته إلى العلنية الوثيقة الأميركية المسربة من استخباراتها عن ضرورة وجود داعش لإسقاط الدولة السورية.
المفارقة ليست في سياق المقاربة المعتمدة من قبل الساسة الغربيين، بقدر ما يعكسه المزاج الغربي من تبدل بحكم النتائج التي خلصت إليها تجارب أربع سنوات خلت، حين كان تدخل الناتو العسكري في ليبيا مدعاة وسبباً مباشراً في الكارثة التي تعيشها ليبيا والعالم، بحكم الخلاصات التي تتقاطر بها تلك النتائج باتجاه الشواطئ الأوروبية وصولاً إلى رحلة العودة المبكرة للإرهابيين.
هذا قد يفسر جانباً مما حصل مؤخراً من تمدد لداعش، رغم الحديث الأميركي عن انتكاسة كانت مدروسة ومعدّة لتكون ذريعة لاستبدال الخيارات بعد أن باتت المؤسسة الغربية أمام مأزق البحث عن حلول خارجية تعتقد أنها تشغل وقت الأوروبيين تحت فزاعة داعش والإرهاب، ريثما يصل العقل السياسي إلى إيجاد ما تسميه بدائل استراتيجية لحقبة تبدو فيها أوروبا المرشح الأكبر لتكون ساحة المواجهة المفتوحة على أزمات بنيوية استشعرت حضورها المكثف على أكثر من اتجاه.
وسط هذه المتاهة لا تبدو الأحكام الناتجة عن استطلاعات الرأي بريئة من تسييس مرشح وحاضر في كل التفاصيل، وينقل عدوى الانفلات في الخيارات بكل الاتجاهات، وواحدة منها ما يجري تداوله في الأروقة الغربية من بدائل.
فداعش لم يكن موضعاً لمواجهة محتملة، فيما أميركا ساهمت وعززت ومهدت الأرض والمناخ والأسلوب لتبسط داعش حضورها في هذه المساحة التي يبدو أنها قد تُشكّل تحدياً لحسابات أميركية وغربية مسبقة حول المسموح والمحظور.
فإذا كان وصول داعش إلى بعض المناطق والأماكن خطاً أحمر قد تم تجاوزه ، فإن تهديده بالوصول إلى بعض الدول يبدو في المقياس الغربي تجاوزاً لكل المحظورات ومنها التهديدات التي ظهرت من داعش للسعودية، والأردن المرشح الأبرز لاحتضان النشاط الداعشي في المرحلة المقبلة، وهو ما يفسر هذا التمهيد السياسي والقصف المسبق باستطلاعات الرأي حول طبول التدخل العسكري.
ما يجزم ويحسم في المسألة هو ما يتم تسويقه بالتوازي عن توصيف أميركي مغرق في تشاؤمه حول الخيارات التي قد تضطر أميركا للقبول بها، أو لبذل جهود خارقة لإقناع أدواتها في المنطقة وحلفائها في أوروبا حول حتميتها، وهي اضطرارها للمداورة على ما رفضته مراراً وتكراراً في الماضي، لتعود إلى المربع ما قبل الأول في الحسابات الجديدة، فيكون الترويج الغربي للتدخل العسكري مجرد مقدمة تسويقية لذلك الخيار، وبطلب أميركي مباشر سبق أن وصل إلى المؤسسات الأوروبية والفرنسية على وجه التحديد!!
a.ka667@yahoo.com