تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


أردوغان بعكازه الإسرائيلي

الافتتاحية
الثلاثاء 28-6-2016
بقلم رئيس التحرير: علي قاسم

استنجاد أردوغان بالعكاز الإسرائيلي ليقبل به ظلاً في حراسة الاطماع الغربية، ليس مفاجئاً بالمعيار السياسي، ولا هو مستبعد بالمنطق التحليلي، بدليل أن الإفلاس السياسي لأردوغان وحكومته وحزبه إقليمياً ودولياً كان يقتضي بالضرورة العودة إلى النبش في الأوراق القديمة،

حتى لو اضطره ذلك إلى لعق كل ما تفوه به حيال إسرائيل وسقف اشتراطاته الذي ارتطم برأسه دون سواه، وأن تتقزم مطالبه إلى الحد الذي باتت ثمناً بخساً لا يتجاوز العشرين مليون دولار قابلة للتقسيط والتأجيل والمبادلة..!!‏

تمخض جبل الغضب «الأردوغاني» وتلال التصريحات النارية، ليلد في اليوم التالي للاتفاق مع الإسرائيليين فأراً مشوهاً كان نتاج علاقة مشبوهة ليست وليدة اللحظة بقدر ما هي صيرورة طبيعية للدور الوظيفي التركي داخل المنظومة الغربية المحكومة بمصالح وحسابات واعتبارات تحددها أولوية الأطماع الغربية وعودتها الواضحة إلى المربع الأول، وهي تستدرج بالضرورة الحديث المطول والمسهب عن الإرث المتراكم لموقع تركيا في تلك المنظومة وما استتبعه من إضافات أو ما طرأ عليه من تحوير في الحقبة الماضية.‏

الواضح أن الحلم التركي بقيادة المشروع الإخواني في المنطقة أو العالم سقط، وتودده وحنينه للحضن الإسرائيلي يعكس إقراراً بالتخلي الواضح عنه، وإن كان يعني أيضاً العودة فعلياً إلى دوره التقليدي غربياً أكثر من أي شيء آخر، والدليل أن كل الاشترطات سقطت دفعة واحدة، حتى إن الأتراك الذين اعتادوا على الصوت المرتفع من أردوغان وطاقمه من دون أن يكون مسنداً على أي وقائع، لن يتفاجؤوا حين يجدون أن كلام أردوغان على مدى الاعوام الماضية قد مسحه أو سحبه من التداول، وثمة خطاب مصالحة مع إسرائيل يصل حد الغزل، والقضية التي باع فيها واشترى لم تعد خبزه اليومي في الكذب والدجل السياسي.‏

الأدهى أن التركي بعكازه الإسرائيلي لم يعد مجرد احتمال في الواقع السياسي للمنطقة، وهو الذي كان يتقاطع مع مفردات حقبة من الهيمنة الغربية وخياراً تم استخدامه على مدى عقود طويلة، بقدر ما بات أمراً يحتم إعادة تدوير زوايا المشهد الإقليمي، بحيث تكون زاوية الرؤية الفعلية تنطلق من مفهوم ومبررات التركي، كي يتقاسم مع الإسرائيلي هموم ومتاعب المهمة الوظيفية في المرحلة المقبلة، فالاتفاق لم يكن خارج الرضى الأميركي، بل في بعض تجلياته كان أحد الاشتراطات الأميركية لعودة باردة للعلاقات مع أردوغان، وقد يكون جزءاً من ضريبة الحصول على الغفران الاميركي اللاحق لكثير من السقطات السياسية لأردوغان وحكومته، أو في الحد الأدنى التعايش معه لبعض الوقت ريثما تنضج البدائل الأميركية لأردوغان والتي تسخن نارها في كواليس واشنطن وخارجها.‏

ما يؤكد ذلك، ليس الخطاب التركي وما يحمله من لغة تبريرية تزيد من حالة الرثاء، بقدر ما هو في الخطاب الإسرائيلي الذي لم يتردد في الغمز من قناة التراجع التركي ومطواعيته المفاجئة في تهديم جدران خطابه العالية، ناهيك عن سقوفه التي سقطت بالتقادم، ولم يتأخر الإسرائيلي أيضاً بالاستثمار في الهواجس التركية ويبازر حتى في مخاوفها، ولن يتوانى عن الصيد داخل شباكها، وربما بالشباك التركية ذاتها، حيث لا يخفى عليه حدود الضيق التركي وإفلاس خياراته إقليمياً ودولياً.. بدءاً من روسيا وليس انتهاء بأميركا ومروراً بأوروبا، وهذا يكفي للجزم بأن الإسرائيلي لن يكتفي بما اشترطه في الماضي، بقدر ما سيضيف إليه، وهذا ماتبرزه نقاط الاتفاق الظاهرة على الأقل، فيما المستترة منها ترجح ما هو أخطر من ذلك.‏

على هذا القاعدة لم يخسر أردوغان في خصومته السياسية فقط وفي «صفر علاقات» التي راكمت عداوات واختلافات مع دول المنطقة قاطبة، بل ايضاً في اتفاقاته وتحالفاته و»صداقاته» التي تبدو على حساب المنطقة وقضاياها، وبالتأكيد ضد شعوبها، وحيث يتجه يجد نفسه في كفة عائمة تؤرجحها خيارات مرة كانت حصيلة طبيعية لكثير من الممارسات التي راهن من خلالها على الإرهاب، وغاص عبرها في سراديب ومتاهات الرهان على التوظيف الغربي له، متجاهلاً أن الإرهاب لم يخلقه الغرب ليستثمر فيه غيره، ولم يدعمه لكي يعوّم سواه، ولم يرعه يوماً لكي يسمن من يشغله إقليميا ولو توهم غير ذلك، بل في أفضل مراتبه كان مجرد تابع، وفي أسوئها أن يكون الإسرائيلي بوابته وممره القسري كي يقبل الغرب بتبعيته.‏

العكاز التركي جاء معوجاً يحتاج إلى من يسنده أو يعيد تقويمه، ومن يصلح من اعوجاجه، وحضور الإسرائيلي بهذه الشروط، وبتلك الصفقة التي تفوح منها روائح الهزيمة التركية مقابل نشوة إسرائيلية فاقت حتى توقعات أكثر الإسرائيليين، يشير بوضوح إلى أنه نبش في المكان الخطأ، وعاد في التوقيت الخطأ، وبين المكان المشبوه والتوقيت الملغوم يواجه التركي الصفعة المنتظرة، حين يدرك لو بعد حين أن القشة الإسرائيلية لإنقاذه من الغرق، كانت سبباً مباشرة وستكون العامل الحقيقي لسقوطه من الحلبة السياسية، وغرقه في مستنقع الإرهاب الآسن من بوابة الإسرائيلي، ولو طال بعض الوقت..!!‏

a.ka667@yahoo.com

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 علي قاسم
علي قاسم

القراءات: 7074
القراءات: 990
القراءات: 1146
القراءات: 935
القراءات: 938
القراءات: 924
القراءات: 1050
القراءات: 888
القراءات: 826
القراءات: 919
القراءات: 972
القراءات: 859
القراءات: 796
القراءات: 849
القراءات: 1052
القراءات: 926
القراءات: 745
القراءات: 935
القراءات: 956
القراءات: 1017
القراءات: 973
القراءات: 846
القراءات: 1020
القراءات: 928
القراءات: 1056

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية