وحتى الفروقات التي قد تظهر هنا أو هناك لن تقدم ولن تؤخر، وفي أغلبها تحصيل حاصل لما يؤسس له المشهد من تداعيات انقلابية صادمة.
فالعامل الإسرائيلي عدواناً كان أم حضوراً داعماً للإرهاب أو فعلاً إرهابياً مباشراً، يوضح ما كان ملتبساً لبعض الوقت أو تذرع به البعض لتلبيس موقفهم ما لا يقدرون على إلباسه، ويشرح غموضاً تعمده أو استدرجه البعض للهروب إلى الأمام والتفرغ للانشغال ببقايا المساومات وحالة الابتزاز أو المتاجرة بالشعارات، وما ينتج عنها من محاكاة إضافية لوضع شديد الغرابة وفاقع التناقض، حيث الفارق أن تأجيج الصراع في المنطقة لم يعد خاضعاً لأحكام باتت من حقبة ماضية، ولا يحتكم إلى عوامل مرهونة لمسلماته الفاضحة.
خرائط الجبهات وإحداثيات المواجهة لم تعد على مقاس التمنيات ولا هي خارج سياق الأمر الواقع، والتحول في محاكاتها ليس قدراً ملتبساً بصفة الضرورة أو المفاضلة وفق المصالح والاطماع، بقدر ما تحول إلى خيار تحكمه أوراق تفيض عن الحاجة وتزيد من التورم، في ظل تغول بالأوهام وما تجمعه المصادفة في مقاربات السياسة أو ما تفرضه أحكامها التي لم تعد صالحة للاستخدام وسط كل هذا الاشتعال.
لم يكن لإسرائيل أن تقدم على ما أقدمت عليه لو لم يكن مطلوباً أميركياً ومرغوباً غربيا، وما قد يفرضه المتغير والعنوان والاتجاه الإقليمي وربما ما بعده، ولم يكن لها أن تذهب إلى حدود المجاهرة بدورها وعربدتها في سياق تأجيج الصراع لو لم تكن ترغب أميركا في توصيل رسائل أحرجتها السياسة في قولها، وأربكتها المتغيرات في تجاوزها، وأقنعتها الحسابات الناشئة بحتميتها، حيث إسرائيل الورقة الجاهزة والصالحة للاستخدام حين تبطل الأوراق الأخرى أو تفقد صلاحية استخدامها.
ولم يكن للمشهد الإقليمي أن يصبح متحجراً لو لم تكن التطورات قد أوصلت القناعة الأميركية إلى ثلاجة الاستحالة من تحريكه بما توافر لها وما أضيف إليها من أدوات سابقة أو لاحقة، ولم يكن له أن يكون عاجزاً وفاشلاً ومستعبداً وصاغراً لكل هذه العربدة لو لم تكن البوابات الأخرى قد أغلقت والخيارات البديلة قد سقطت من التداول، بحيث تكون إسرائيل حاضرة وجاهزة لإشعال ما انطفأ وتأجيج النار فيما احترق أو يحترق.
الأدهى أن بالون الاختبار الإرهابي يبدو صالحاً للاستخدام في كل الفرضيات الموازية، بما فيها تلك المفتوحة على الهاوية، إذ التثاؤب الدولي يكاد يكون جزءاً من الريبة الصادمة ذاتها التي تتراكم في محاكاته لمحاربة الإرهاب وتحالفاته المتعددة الأشكال والأحجام والأنواع، وربما غطاء لدفن ما صدر أو قد يصدر من قرارات أممية .
لا يتسع الوقت للحاق بما يجري، ولا يكفي للبحث عن الكلمات التي تريد أن تفيض عن الحاجة في استدراج المشهد نحو لغة يمكن لها ان تناظر الواقع القائم، أو تقترب من الحد الأدنى في محاكاة بعض جزئياته المتناثرة، بعد أن باتت العناوين تائهة تحت وابل من القصف السياسي والإعلامي على مدار اللحظة، ومن دون توقف.
إسرائيل تعربد وتغتال، والدول الداعمة للإرهاب تحاجج في مفردات كذبها، والغرب يعيد النفخ في أحجيات نفاقه، وعلى المنطقة أن تنتظر وتتبصر ما ستؤول إليه نتائج صراع الإرادات المتثائبة التي تتواجه على بساط الخرائط والإحداثيات التي أولغت به رائحة الدم، ولا يزال يتأرجح ويتكسر ويتشظى ويتفتت، وما تحمله أطماع الغرب من زوايا أشبعتها تدويراً ومداورة، وباتت في عنق الزجاجة وهي ترمي ما تبقى في جعبتها من مهل إضافية للإرهاب وداعميه ومموليه.
فالمعايرة المكانية والزمانية للعربدة الإسرائيلية بكل ما فيها من رسائل، والمناظرة في الطريقة والأسلوب والحيثيات والأبعاد بكل ما تنطوي عليها من أخطار ومخاطر وتحديات، لا تبدو كافية للإحاطة بتفاصيل المشهد المركب الجاثم على صدر التكهنات في السياسة وفي الفكر وفي التراجيديا على قلتها أو كثرتها، بحكم ما يفتقده هذا المشهد من معادلات تصلح للقياس أو الاستنساب وفقها.
إسرائيل حالة عدوان قائمة لم تتغير ولم تتبدل، وتجد في المشهد مساحات إضافية للتذكير بتلك العداونية، لكن الكيل طفح، و حدود اللعب بالنار تم تجاوزها، ومساحة العربدة باتت خارج قواعد الاشتباك الناشئة، وأصبحت متورمة، حالها في ذلك حال أدواتها الرديفة من تنظيمات إرهابية، بحيث فرضت بالضرورة مقاربات وخيارات مغايرة، لا تقتصر على تغيير قواعد المواجهة، بل تشمل حيزاً إضافياً من الجزم بأننا في قلب تحولات عاصفة بدأ نذر حضورها، وآن أن تمطر عواصفها وغيومها الداكنة ما خبأته سنواتها المشبعة بالخراب والدمار.
a.ka667@yahoo.com