وحول قطع شرايين التغذية للفصائل الإرهابية، لاحظ ولا شك أن سورية الوطن والشعب لم تكن محور هذه الأحاديث والمداخلات على الإطلاق، بل كانت السلطة وكيفية الوصول إليها أو تقاسمها، والمهل الزمنية التي تمهد لذلك أو تؤشر عليه!
هؤلاء المعارضون، والذين يفترض أنهم معتدلون بشكل عام، أو يتوزعون بين اليسار والليبرالية، والذين يفترض أن لا فصائل مسلحة لديهم سواء كانت معتدلة «مثلهم» أو إسلاموية متطرفة، يتحدثون عن الثورة والثوار حين يدور الحديث عن السلطة واقتسامها أو السيطرة عليها، وعن التطرف والمتطرفين حين يدور الحديث عن تصنيفات أو عمليات فرز للفصائل المسلحة.. وبالتالي يلعب الإرهابي القاتل دور الشخصية المزدوجة في أذهان هؤلاء، فهو ثائر معتدل إذا قادهم إلى السلطة.. وهو إرهابي متطرف إذا كان سيمثلهم فيها.
يظهر أحدهم على شاشة التلفاز كقط أليف لطيف حين يسألونه عن الدولة التي ينشدها في سورية، فيتملص أولاً من أي علاقة بالسلاح والمسلحين والإرهابيين، بل ويسوق اللوم والعتب على حملة السلاح ودعاته ورعاته، ثم يشدد على أن سورية المستقبل، وبرعايته ورعاية أمثاله طبعاً، ينبغي أن تكون حرة سيدة علمانية ديمقراطية، غير أنه لا يلبث أن ينقلب إلى واحدة من ذوات الأنياب والمخالب ويكرر.. سنقاتل، عندما يسألونه عن فشل المعارضة وإخفاقها ليس في ثورتها المزعومة فحسب.. بل وحتى في كسب أصدقاء أوفياء لها!
يتملصون من العلاقة والرعاية المباشرة للإرهاب، لكنهم يركبون صهوته ولا يترددون في تكرار محاولة الاستفادة من سلاحه وجرائمه.. لا في صناعة وطن جديد بل في بلوغ السلطة وحسب؟
الإرهاب خطير ودموي ومدمر.. أجل، لكنه عابر وطارىء مهما طال واستطال وأجرم، غير أن أمثال هؤلاء هم أخطر كثيراً من الإرهاب لأنهم ذئاب وطلاب سلطة بأقنعة الحملان وجلودهم ولأن عمر خداعهم للناس أطول وأبقى.. خاصة عندما يفتقد هؤلاء الناس وعياً تاريخياً وسياسياً يعينهم على فهم أمثال هؤلاء وتجاوزهم؟
بالطبع، لا الزمان ولا المكان ولا الظرف يسمح بالكشف عن القواعد الشعبية السورية التي يتملقها هؤلاء المعارضون ركاب العربات العابرة أو يدعون تمثيلها.. مع أننا جميعاً نعلم أنها إن لم تكن معدومة فهي ضئيلة ومحدودة ومريضة.. مريضة بالمعنى الثقافي والمعرفي، إلا أننا مضطرون إلى الاستماع إليهم ومحاولة اكتشافهم لسبب بسيط.. أن المعارضة السياسية السورية الحقيقية لم تظهر بعد أو لم تتشكل؟؟
إذا كان الإرهاب وعقائده وأدواته مطية لأميركا والغرب في المنطقة العربية وفي سورية خاصة، فإن اليسار الفاسد والليبرالية المزيفة هما بدورهما مطية المعارضات الطارئة وغير الوطنية لغسيل وجهها وتلميع صورتها!