قبل الأعداء، نعرف ويعرف الأصدقاء والـمُحبون والقريبون أن سورية لا يمكن أن تكون غير التي نعرفها، حتى لو جار الزمن لبعض الوقت، أو التَحَفَ البعض بكثير من التعويذات الجانبية لتبرير المقولات الزائفة والمتجنية على سورية في ردهاته الخارجة من حسابات التاريخ، أو المبنية على منطق العوز والهزيمة والخوف.
الكلام هنا ليس عاطفياً، ولا هو مجرد ردّ، بل أبعد من ذلك وأكثر استدراكاً للمنسيات التي تصطاد في الماء العكر حيناً، وتتكئ على بعض مراكز البحوث والدراسات المستأجرة مسبقاً والتي تعيش على الافتراض حيناً آخر، حيث تأخذها الانحرافات إلى غير موقعها ودورها، وخارج سياق وجودها الحقيقي، بل تقودها في الاستنتاجات الجانبية إلى موضع الشبهة، وفي بعضها يكون مرفقاً بقرينته.
لا نعتقد أننا نذيع سـراً أو نأتي بجديد حين القول إن الغاية من كل ما شهدته المنطقة، والهدف من كل ما تعرضت له سورية، هو أن تذهب إلى غير موقعها ودورها وحضورها، إن لم يكن بالجغرافيا، فعلى الأقل بالسياسة، وإن لم يكن بالموقع، فأقله في الدور الذي كان وسيبقى موضع استهداف وإن تعثّر مرة وفشل مرات وعجز ما تبقى منه، لكنه سيظل حالة قائمة تفرض مواجهة على المدى البعيد، حيث الفارق بين مشروع يرحل وآخر يأتي قد تكون الأدوات أو شكلها، وربما الأساليب والوسائل وقد يكون في عدد الجبهات واتساعها وأحياناً بعدد الأطراف المتورطة ونماذجها بقريبها وبعيدها، لكنه لا يختلف في النتيجة ولا الحصيلة، ولا في الهزيمة التي يؤول إليها عاجلاً كان أم آجلاً.
ما هو محسوم أن سورية حين ضحّت وقاتلت وواجهت لم يكن بحثاً عن الذهاب، ولن يكون، ولا هو بجبهاته المفتوحة أو المؤجلة لأنها أرادت ذلك فحسب، بل ليقين السوريين بأنها كانت وستبقى كما هي، لذلك ربما كان في بعض التعبيرات ما يشي إلى الحقيقة ولو لم تكن تتعمّد ذلك، حيث لن تعود سورية لأنها لم تذهب ولن تذهب، لم تغِب يوماً ولا يمكن أن تغيب، ربما تتغيّر المقاربات وتتعدّل المفاهيم وتتبدّل المصطلحات وترحل بعض الأقاويل وتعود، لكن سورية ستبقى العصيّة على الرحيل والمستعصية على التغيير والمستحيلة على الأخذ.
وهذا ينطبق على الجغرافيا كما هو في التاريخ، وينسحب على السياسة كما هو وارد في الجيوسياسة، ومطروق لدى الحديث عن البدهيات، كما يكون مسنداً عند الجدل أو النقاش في الاستراتيجيات، حيث سورية التي كانت وستبقى بما تعنيه، وما تمثله، وما تجسده من حضور وجداني وسياسي في قلب المنطقة وحلقة ذهبية داخل محور المقاومة.
مرّت أمبراطوريات وجاء غُزاة ومحتلّون، وواجهت خونة ومرتزقة وإرهابيين في حقب مختلفة وفي عقود ماضية، لكنها بقيت وكافحت وقاومت وضحّت كي تبقى وبقيت، لم تستطع جحافل الغُزاة والمحتلّين، ولم تتمكن أسـراب المرتزقة والإرهابيين في الماضي، ولن يقدروا في الحاضر ولا المستقبل، ولن تفلح مقولات درجت على ألسنة البعض حيث يفشل المحتل والغازي والإرهابي والمرتزق.
ندرك أن الأوجاع والآلام والتحديات والتداعيات تفوق أي تصور وتتفوق على أي خيال، وأن الكثير مما ظهر وبان إنما هو جزء مما قد يأتي، وأن المعركة طويلة ومكلفة وباهظة الثمن، ونعرف أن بعض المصطلحات تُدرج في إطار المناكفة السياسية، وأحياناً من باب الترداد الببغائي لمفارقات المشهد، وجزء منها قد لا يكون في سياق النيات السيئة، لكنهم جميعاً يمارسون الاصطفاف ذاته وإن لم يكن عن قصد أو عمد، وبعضهم يذهب أبعد في الرسم الافتراضي على بقايا نتف المقولة ذاتها بحثاً عن شكل سياسي هنا أوتغيير في اللفظ هناك، وبعضهم الآخر تستدرجه الأمنيات وأضغاث الأحلام، وتسوق به الأوهام إلى حيث لا يدري فيغرف من القاع ذاته، وإن جاء تحت عنوان المقترح أو المبادرة.
سورية التي تعرفون كما تعرفها الجغرافيا والتاريخ والسياسة وكما حفظها الموقع والدور والمهمة الوجودية، هي ذاتها التي كانت وستبقى، وما عدا ذلك لا يعدو كونه إرهاصات استنتاجات ساذجة وأفكاراً تستعجل القياس على ما عداها وتتعامل مع ذاكرة مبتورة ومنقطعة عما سبقها أوتم إنشاؤها على عَجل، وهو قياس لا يصح مع سورية، ولا يجوز أن يقرنه أحد في هذا الكون قريباً كان أم بعيداً مع السوريين تحت أي مسمى أو عنوان، ولا يمكن تسويقه خلف أي فكرة مهووسة هنا أو مجنونة هناك، فسورية لم تذهب يوماً، ولا يمكن أن تذهب يوماً ولن تذهب حتى تعود، كانت وستبقى سورية التي نريدها ولو كَرِه الخائنون والعملاء والمرتزقة والأعداء والحاقدون، أو توّهم بعض صبية الاستنتاجات والأكاذيب والفبركات غير ذلك لبعض الوقت الذي قد يطول حيناً، لكنه لن يبقى في كل الأحيان..!!
a.ka667@yahoo.com