تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


السلام عليك يا جبلة

معاً على الطريق
الأربعاء 25-5-2016
أنيسة عبود

السلام عليك يا مدينتي.. أيتها الصابرة الجريحة.

السلام على دمك المراق على الأرصفة.. وعلى أشلاء أطفالك الذين لم يستيقظوا اليوم إلى المدرسة.‏

السلام على طلاب الجامعات.. على كتبهم وأقلامهم وأحلامهم التي تبعثرت بين يد مقطوعة ورأس محروق وجسد لا يمكن التعرف على هويته. أهو من نازحي حلب أو من الهاربين من سيف الموت في إدلب أو حمص أو كل جهات الوطن.‏

أيها المارون بين البحر وبين التلال هل رأيتم علي الصغير الذي ضاع من يد أمه؟. ربما رأيتم أمه مثلاً؟ وربما تعرفتم إلى الفتاة الجامعية التي تنام على مسطرتها؟‏

ويمكن لكم التعرف على الأطباء الشباب الذين يسعفون الجرحى ويمسحون القهر عن جبين المدينة.‏

السلام عليك يا مدينتي .. يا مدينة الأبطال والشهداء المغروسين في كل تراب الوطن.. كيف حالك اليوم وقد سال دمك حتى وصل البحر فخجل الموج من لونه الأزرق.. وخجلت أشجار البرتقال من صمتها وهي ترنو إلى عائلات كاملة تغادر هذا العالم البغيض الظالم الحاقد والآني إلى دار الخلود حيث سيروون لرب العالمين عن الذي قتلهم وقتل سورية بأكملها.. سيحكون عن آل الكفر وآل الذبح عبدة أميركا. سيشهد الدم على العملاء والخونة ومرتزقة الغرب اللعين. وستشهد هذه الجدران المحطمة وهذه القلوب المفتتة.‏

السلام عليك يا مدينة طفولتي وأحلامي وخطواتي وآلامي. خجلة أنا من النظر في عينيك الهادئتين.. خجلة من صبرك وتسامحك وعطفك واحتضانك لكل القادمين.. خجلة لأني أريد أن أقف على سور كراجك وأصرخ.. أو أندب كندابة فقدت عالم الأمان والمحبة والأخوة.. أريد أن أبكي أمام بحرك وقرب نوافذك المحطمة.. على شهدائك القدامى الذين عادوا فجأة ليتفقدوا أهلهم ومدينتهم ويلقوا بنظرة شوق وحزن ويعودوا إلى عالمهم النقي الخالد.‏

جبلة.. أيتها البهية.. لا تحزني.. فحزننا القديم الممتد من كربلاء حتى مجازر الأتراك والسفاحين يكفي.. حزننا القديم حاضر والجديد متأخر.. وبين ذاك القديم والجديد تمر سيوف الجهل وفتاوى القتل والتخلف.. ويمر حلم كما البرق يحمل آلاف الوجوه الغائبة وآلاف العيون التي عميت من الفراق.‏

جبلة. أتحتاجين إلى قميص يوسف أم إلى صبر أيوب.. لا تقولي نفذ الصبر.. ولا تقولي نضب العدل. أنا أعرفك منذ درجت على ترابك. أعرفك كما يعرفك الليمون والزيتون والشهداء وأطفال طمروا تحت ركام الحقد. أعرفك أيتها الحبيبة.. وأعرف تسامحك.. وأعرف كم أنت قادرة على الخروج من الرماد.. أعرف شهداءك. وأعرف أبطالك. وأدرك أنك مثل طائر الفينيق.. ستقومين من الألم.. وستنفضين القهر وتخرجين إلى المستقبل بالرغم من الإهمال الذي اصابك.. وبالرغم من مسؤولين كثراً مروا ولم يلتفتوا إليك ولم يستديروا إلى جراحك.. صرخت مرات بأنك مجروحة ومهملة ولم يسمعوا.. وتوجعت ولم يفهموا بأن المشافي أهم من بارات السهر ومن مقاهي البحر ومن كافتيريات الأرصفة.. بكيت ولا يسمعك إلا الله.. توجعي يا مدينتي.. يا ملعب طفولتي وأحلامي.. سيسمعك الله وسيكون معك.. لا تعولي على مسؤول يغفو على مكتبه. ولا يفتح بابه إلا لأعوانه. لا تعولي إلا على دمك فهو الذي سينصفك وهو الذي سيحرق أعداءك أيتها الغالية.. يا أم الشهداء والجرحى والثكالى.‏

السلام عليك يا مدينتي.. يا مدينة التسامح والعطاء. أيتها المتعبة الضائعة من قاموس الانتباه.. قومي من دمك.. من أشلائك؟؟ قومي ومدي يدك إلى طرطوس الجريحة.. إنها توأمك في الحزن والبطولة. وأنتما توأم الوطن كله من حلب إلى الحسكة إلى دمشق.. لكن هي جبلة التي عرفتها طفولتي وحروفي الأولى.. هي أبجديتي.. ودمي وأهلي.. فاعذروني إن بكيتها.. واعذروني إن لمتها.. وسامحوني لأنها وطني الأول.‏

عليك السلام يا جبلة.. لو أستطيع أن ألم جراحك.. لو أستطيع أن أبكي.. لقد خيبتي الدموع وخيبني الحرف.. ولم يبق في صدري إلا الغضب والقهر.. وسؤال يطرحه كل السوريين.. لماذا؟ لماذا نذبح وطننا؟‏

وسؤال يعنون صوراً كثيرة لا يقوى القلب على تحملها.. من يعرف هذا الطفل؟‏

من يعرف هذه الأم الشهيدة؟ وتلك الأشلاء لمن.. ولمن اليد التي كانت ممدودة للحياة؟‏

من.. يعرف الغد؟ وهل هو غير الأمس؟ يا مدينتي الحبيبة عليك السلام وعلى دمك وصبرك السلام.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 أنيسة عبود
أنيسة عبود

القراءات: 711
القراءات: 856
القراءات: 762
القراءات: 722
القراءات: 768
القراءات: 677
القراءات: 704
القراءات: 908
القراءات: 955
القراءات: 785
القراءات: 763
القراءات: 801
القراءات: 792
القراءات: 879
القراءات: 782
القراءات: 771
القراءات: 763
القراءات: 846
القراءات: 755
القراءات: 905
القراءات: 770
القراءات: 821
القراءات: 900
القراءات: 981
القراءات: 785

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية