وسط المصاعب وتزايد الخطواب تظهر بوارق الأمل وتنجلي العواصف عن ولادات تأتي من رحم الأرض ذاتها، وتنتمي إليها، فتحمل آلامها وتتمثل واقعها، وتؤمن بقدرة أهلها على العطاء الدائم، فتكون الولادة المستمرة يوماً بعد آخر، دون أن يكون هناك احتمال لأي نهاية، لأن الحياة السرمدية ديدن تلك الولادات الأصيلة.
إن سنوات طويلة من المعاناة والقهر والاحتلال والضعف والهوان، تلت سنوات من القوة والعزة والمنعة والاستقلال والتقدم، وإن تعاقب فترات من الشد والجذب عاشتها أمتنا فوق هذه الأرض المباركة حددت ملامح وسائل الخروج من ذلك المأزق القابل للتكرار حيناً بعد آخر، وإن الكثير من تجارب الفشل والتعامل مع التحديات التي استهدفت استئصال جذورنا من المنطقة التي ولدنا منذ الأول فوقها، مكنت شرفاء الأمة من تحديد أهداف الأمة في الخلاص والانعتاق.
هو البعث العربي جاء من وجدان شعبه في لحظات المخاض التاريخية التي كانت تشهد نهايات الحكم العثماني وما تلاه من تعدد لأشكال الاستعمار الأوروبي في شرق الوطن العربي ومغربه، فكان الجواب الشافي لكل تلك العلل والمشكلات التي عاشها العرب على مدى أكثر من ستة قرون نقلت الأمة من مواقع العطاء والتقدم والقوة وامتلاك السيادة إلى حال التبعية والاحتلال والتخلف والفقر.
نعم هو البعث يمتلك الإجابة الشافية والحلول الصحيحة لكل المشكلات، وهو من بدأ صوغ السياسات التفصيلية لمواجهة تلك المشكلات والأزمات، الأمر الذي استدعى قوى العدوان من المجتمعات الغربية ذات الطبيعة الاستعمارية، إضافة إلى الكيانات التابعة ذات الطبيعة الرجعية أن تستنفر كل قوتها ومقدرتها لعرقلة مسيرة الحلول وفق الصيغة البعثية.
واستمرت المعركة في جولات كثيرة، لا يبدو لها نهاية طالما استمر وجود دعاة السيطرة على مقدرات الشعوب، وقبول التبعية من جانب بعض أبناء الحضارات العريقة ممن يمتلكون ثروات طبيعية يتربعون فوقها، وينفقونها في خدمة المستعمر، ظناً منهم أن ذلك المستعمر، وحده الضامن لكراسيهم القابعة على كثبان الرمال المتحركة، تلك الرمال التي تعكس طبائعهم، وتبدو في مواقفهم التي تشابه وضع رمالهم التي لا تثبت على حال.
واليوم إذ احتفل البعث بذكرى تأسيسه وقد تخلى عن نص دستوري عن حقه في قيادة المجتمع والدولة، فإنه يعكس في موقفه إصراراً أكثر عمقاً على متابعة مشروعه، والانتماء بصورة أكبر إلى جوهر عقيدته واستعادة حال البعث في التضحية والفداء، والبذل والعطاء دون انتظار مردود ذاتي، ذلك أن الهدف الأساس هو مصلحة الأمة ووجودها والسعي لاستعادة دورها الإنساني والحضاري، انطلاقاً من أصغر المساحات التي يمكن أن تمثل قاعدة انطلاق قوية نحو تلك الصحوة.
وسورية في راهن واقعها تمثل خير الموقع الأكثر ملاءمة لاستعادة صورة البعث المترفع عن الصغائر، والباحث عن جواهر العزة والكرامة والتحرر والقوة.