| لا يا حنا ليس بيدك أن تموت معاً على الطريق ولدت بسيطاً وعشت حياتك بسيطاً وفياً لبساطتك وشمخت وكان في شموخك سحر البساطة شمخت بأعمال تفجرت من عمق نفسك بلغت بها القمة فانتهبها التاريخ من بين يديك واحتضنها ورسخها في المكتبة العربية وجعلها (ملكاً عاماً) وطال بك العمر يا حنا وحفزتك الرغبة في أن تبذل عطاء تجامل به من حولك فكانت صبوات خرجت من ظاهر نفسك لكنها لم تستطع أن تجعل ألق شموخك يخبو لقد أصبحت يا حنا رغم أنفك نجماً وأنت بطبيعتك تهرب من النجومية سواء بحياتك الخاصة المتواضعة الوديعة بين أهلك ومحبيك أم بحياتك العامة التي تزري ببرقها الخلبي وتأوي إلى قلمك تعيش معه عالمك الصامت الرحيب, أصبحت رغم أنفك نجماً يا حنا ينعكس على صقال البحر-الذي عشقته-مالئاً نظرات العيون التي تهفو إليه من كل حدب وصوب عصياً على الأيدي التي تحاول أن تتقراه باللمس. في مطالع الثمانينات- إن لم تخني الذاكرة-جئتني يوماً إلى اتحاد الكتاب في زيارة خاصة ولم تكن أنت ولا عبد السلام العجيلي عضوين فيه (وقد بلغ عدد أعضائه اليوم قرابة الألف) وبدوت لي يومها كمن أصيب بالزهايمر يعاني بعض الرجفات وينظر حواليه ضائعا, بدوت يا حنا كطفل قدمت إليه هدية لم يكن يحلم بها, جلست والتقطت أنفاسك وقلت لي أريد أن أقدم مساعدة مالية لبعض الكتّاب الفقراء وعرفت منك أنك تقاضيت مبلغاً(كبيراً) من إحدى دور النشر عن بعض إنتاجك الأدبي نبت بها حياتك البسيطة, وذكرتني يومها ببيت لحسان بن ثابت يقول فيه: أكفّر أهلي عن عيال سواهم وأطوي على الماء القراح المبرد كنا نحن الجيل الذي يليك الذي تفتح في الستينات غارقين في الأدب العالمي من مشارقه ومغاربه:(ليون تولستوي) (ديستويفسكي) (إميل زولا) ( تشارلز ديكتر) (فولكنر) (أرنست همنغواي) (روخاس)..ولست أدري كيف توجهنا إلى ( نجيب محفوظ) وأخذنا نتابعه منذ بداياته, كان بعضنا يقول (نحن جيل بلا آباء) وفي العام 1966 أخذ بعضنا يلفت نظر البعض إلى رواية جديدة هي (الشراع والعاصفة) بدأنا نقرؤها مستطلعين أول الأمر وما إن قرأنا (الشمس في يوم غائم) بعدها وجدنا أنفسنا غارقين في عالم حنا مينة نتابع قراءة أعماله كلها ثم تنبهنا إلى عبد السلام العجيلي ثم سعيد حورانية ومحمد الماغوط وزكريا تامر وحيدر حيدر ولم نعد نقول (نحن جيل بلا آباء). لقد هيجت مشاعرنا بوصيتك يا حنا سامحك الله وأطال عمرك فإن الأعمار بيد الله. anhijazi@Gmail.com
|
|