معولة في ذلك على عصابات القاعدة الإرهابية وجماعات الإخوان المسلمين ومجموعات المرتزقة المنظمين من الداخل أو المستقدمين من الخارج، مدعومين ببعض من قوات درع الجزيرة. وبالفعل وبناء على هذا الظن-الوهم رفضت السعودية أي حل سلمي لا يعيد استعمارها. لليمن. وبهذا أفشلت السعودية تباعا المحاولات التي كان آخرها المسعى الأممي الذي طرح في مسقط.
وموضوعيا نقول إن المتابع للمشهد اليمني خاصة في الأسابيع الأخيرة، كاد يجاري السعودية في ظنها وبالتحديد عندما يرى تقدمها بعد عدن في اتجاه تعز واندفاع قوافلها من الوديعة باتجاه مأرب، والبدء بالتحضير لمعركة صنعاء التي أكد الرئيس اليمني الفار إلى السعودية أنها ستكون معركة خاطفة صاعقة، مع تكثيف منهجي للطلعات الجوية الإجرامية التي تستهدف المدنيين والقطاعات الاقتصادية والخدمية اليمنية في ست محافظات بشكل متزامن...
نعم في ظرف محدد كاد يبدو أن الميزان العسكري الميداني رجح لمصلحة العدوان وأن رفض السعودية للحل السلمي وإصرارها على استسلام الجيش اليمني واللجان الشعبية وحركة أنصار الله، رفض له ما يبرره. وهنا كان الخطأ الاستراتيجي الجديد الذي احترفت السعودية على اقتراف أمثاله.
نعم الكل يعلم أن السعودية تملك سيطرة جوية كاملة وتملك مع الدعم الأجنبي قدرات الإنزال الجوي والابرار البحري والقدرة على إدخال القوى العسكرية المتعددة الأسلحة إلى الميدان، لكن المعركة كما يعلم الجميع من أهل الخبرة وأصحاب المنطق السليم ليست فقط قوى وأسلحة تزج في الميدان بل إنها وقبل هذا وبعدها خطة ومناورة وقدرة على فرض الاستقرار واستثمار النصر إذا تحقق ومناعة تقي المهاجم ردات فعل المدافع في الميدان مباشرة وبعيدا عن ميدان المواجهة الذي اختاره لهجومه. فهل هذه الأمور متحققة للسعودية في الحالة اليمنية؟ أم إن لدى الجيش واللجان الشعبية والشعب اليمني القدرة على إجهاض مفاعيل التمدد السعودي الخليجي انطلاقا من عدن؟
عندما قلنا منذ نيف وخمسة أشهر تاريخ في وصفنا للعدوان السعودي على اليمن إن السعودية ارتكبت خطأ استراتيجياً قاتلاً بعدوانها وإن حماقة كبرى جعلت السعودية ترتكب مثل هذا الخطأ، لم يكن قولنا تهويلاً أو حرباً نفسية ضد السعودية بل كان تقييماً مستنداً إلى قواعد عسكرية واستراتيجية ومعايير تعتمد لمعرفة الجدوى من أي قرار أو سلوك في الميدان، والآن وعلى أساس المعايير والقواعد تلك نقول إن الإنجازات التي حققتها السعودية خلال الشهر الماضي بدءاً من عدن، ليست من قبيل الأعمال التي تصنع انتصاراً ثابتاً يبنى عليه لفرض القرار وإنتاج الاستقرار لأن السعودية ستواجه، أو تقع في كمائن تجعل من إنجازاتها أثراً بعد عين. ففي يد المدافعين عن وطنهم ودولتهم من الأوراق ما يمكنهم من إجهاض كل الإنجازات الخليجية وتعميق الحفرة التي سقطت فيها السعودية وأتباعها من الإمارات والبحرين ومن هذه الأوراق:
1) تنظيم المقاومة المسلحة الواسعة الانتشار وتحركها لاصطياد القوى الغازية والاقتصاص من المرتزقة المحليين والمستقدمين. وقد أثبتت الأيام التي تلت الغزو أن لدى أنصار الله والجيش اليمني وبقية شرائح الشعب قدرة واحترافا على تنظيم هذه المقاومة التي تستهدف مراكز تجمع القوى المعتدية وخطوط إمدادها والمطارات التي تستعملها، كما أن هذه المقاومة تملك من الخبرات الذاتية والمكتسبة ما يمكنها من شل هذه القوى وتحويلها إلى أهداف رماية عاجزة عن الدفاع عن نفسها. وقد كان في استهداف تجمعات القوى الخليجية في مطار صافر قرب مأرب والإجهاز على 125 عسكريا منها رسالة بالغة التأثير وجهتها المقاومة اليمنية للسعودية لتكون حاضرة في اجتماع سلمان ملكها مع أوباما الرئيس الأميركي وهي رسالة معبرة دون شك.
2) اندفاع الجيش اليمني واللجان الشعبية في العمق السعودي وانتاج معادلة «أرض بأرض» أي ارض يمنية محتلة تقابلها ارض سعودية محتلة، معادلة سيكون تأثيرها المعنوي بالغ السلبية على الجيش السعودي الذي يظهر عاجزا أمام قوى اقل تسليحا وتجهيزا منه، وهذه الركلة على القفا والوجه معا ستحفر ندوبا عميقة في التاريخ العسكري للجيش السعودي ولفترات طويلة في المستقبل.
3) قصف الأهداف الاستراتيجية الحيوية الكبرى في العمق السعودي بالنار المؤثرة. لقد تبين أن الجيش اليمني وخلافا لكل ادعاءات السعودية ما زال يملك مخزونا لا بأس به من صواريخ سكود وتوشكا التي تصل إلى 180 كلم وهي صواريخ ذات قوة تدميرية هامة تجعل من حقول النفط ومحطات الكهرباء وتحلية المياه والمطارات السعودية ضمن هذه المسافة أهدافا محتملة ضمن بنك الأهداف اليمني.
4) استمرار المواجهة والمراوغة في الميدان بين الجيش اليمني واللجان الشعبية من جهة والقوى الخليجية الغازية من جهة أخرى وإدخال هذه القوى في حرب استنزاف لا تقوى عليها خاصة إذا تذكرنا أن مجلس التعاون الخليجي محدود الطاقة البشرية وان التطوع في الجيش ليس مرغوبا من قبل الأثرياء عندهم. وأن المجند الأجنبي يبقى مرتزقا بلا قضية يستميت في سبيلها، ما يعني أن حرب استنزاف لمدة أشهر قليلة ستلزم المعتدي على التراجع.
تحديات جدية ستفرض على قيادة العدوان واقعا صعبا سيفاقمه ما بات يتوقع أيضا على صعيد بنية العدوان ومكوناته ذاتها مع بروز خطر التفكك والتناحر، وهو امر طبيعي، إذ لا نتصور أن يبقى إرهابيو القاعدة مع مسلحي الإخوان إلى جانب معارضي الحراك الجنوبي وعسكريي القوات الغازية والمرتزقة، أن يبقى الجميع عاملين في خندق واحد، فالصراع والمواجهة بين هذه المكونات لا بد قادم وقد بدأت إرهاصاته بالفعل في عدن وتتحضر للانتقال إلى مناطق أخرى. يضاف إلى ذلك توقع انحسار مشاركة البعض في التحالف العدواني وعملياته خاصة الإمارات التي نزلت بها كارثة ألبستها الحداد على العشرات من ضباطها وجنودها لأول مرة في تاريخها.
كل هذا يقودنا إلى نتيجة واحدة نقول بها بشكل يقيني: إن أفق العدوان السعودي على اليمن مسدود، وإن الإنجازات التي قد يحققها يوماً إنما هي أحداث عارضة لا تملك مقومات الاستقرار، أما الخسائر التي تلحق به فإنه من الطبيعة الاستراتيجية المؤثرة التي لا تعالج في حقبة زمنية قصيرة، وعلى السعودية أن تقر بخسارتها لقطعة من الفضاء الاستراتيجي الذي كانت تملكه. وأن المكابرة ستفاقم الخسائر فهل ترعوي وتوفر قتلاً ودماراً على اليمن من غير طائل؟
*استاذ جامعي وباحث استراتيجي - لبنان