عبر التهديد بعمل عسكري صاعق تدمر فيه قدرات الجيش العربي السوري ما يفتح الطريق الى تحقيق اغراض الحرب الكونية التي خططت لها اصلا عبر اسقاط سورية وتدمير جيشها وما يملك من الاسلحة الاستراتيجية الاساسية، واختلقت للامر ذريعة زائفة كاذبة اسمتها «استعمال السلاح الكيماوي من قبل الدولة».
وعندما تهيأت اميركا للعدوان وهمت بالشروع بتنفيذه اصطدمت بعقبات وعوائق لم تكن من الطبيعة التي يمكن تجاوزها بسهولة ،حيث واجهت قوة ردعية للمدافع لا يمكن تخطيها ووقفت على تردد واحجام من قبل من كانت تعول عليهم لانشاء تحالف دولي يعينها على عدوانها، ثم اصطدمت بعقبة العجز عن التحكم بمسار المعركة زمانا ومكانا ما جعلها تناور وتتراجع بحثا عن طرق لتحقيق اهدافها دونما ان يكون هناك مجازفة وخسارة.
ومن اجل تذليل العقبات – التي ان استمرت قائمة فستجعل اميركا عاجزة عن تنفيذ تهديدها – رأت اميركا ان تكسب وقتا اضافيا تعالج فيه العوائق تلك، فكانت مناورة احالة مشروع العدوان على الكونغرس الاميركي ما يكسبها حوالي 3 اسابيع من الزمن، بدأت باستغلالها في معالجة تلك الصعوبات في سلوك يبدو بعضه غير مألوف في سلوكيات المنازعات والحروب، حيث ان اميركا ومع محاولات مسؤوليها اقناع اصدقائها واتباعها بالانضمام اليها في حربها (معالجة لثغرة فقدان الحلفاء) اتجهت الى التضليل والبناء على تمنيات واوهام لتعالج الثغرتين الباقيتين، فادعى اوباما وتبعه ووزير خارجيته بانه " يعتقد ان سورية لن ترد على الضربة الانسانية (اي العدوان) لأن في الرد تهورا " وان هذه «الضربة ستنتهي سريعا حالما تحقق اهدافها الجراحية« ولن يكون في اغراضها اسقاط النظام "(وكأنهم قادرون على ذلك وهم يتعففون )، ثم راحوا يبلغون هذا او ذاك من الدول المجاورة بان الحرب لن تصلهم بتداعياتها، ولكن غاب عن هؤلاء المنفصلين عن الواقع ان سورية اعلنت صراحة انها ستدافع عن نفسها، وان حلفاءها اكدوا بان الحرب على سورية ستشعل المنطقة وان احدا لن يتمكن بمفرده من وضع حد لها، وبالتالي يبدو انه غابت عنها حقائق ووقائع ليس اقلها ما يلي:
1) تستطيع اميركا ان تطلق صواريخها من البر والبحر والجو، لكنها لا تستطيع ان تضمن تحقيق اهدافها من ذلك، خاصة ان قوة المدافعة عن سورية تملك من قوة الدفاع السلبي والايجابي ما يجعلها تحد من خسائرها خاصة ان لديها منظومات اعتراض صاروخي فاعلة يجعل من تأثير الصواريخ الاميركية منخفضا مهما طال القصف وتكثف.
2) تستطيع اميركا ان تستهدف مركزا عسكريا هنا او مركزا عسكريا هناك لكنها لا تستطيع هي واسرائيل ان تمنع اطلاق الاف الصواريخ على كل المراكز والقواعد العسكرية والاستراتيجية لاميركا في المنطقة خاصة ما بين الخليج في الشرق والمتوسط في الغرب وما بين تركيا في الشمال واليمن في الجنوب، واذا كان في بنك الاهداف الاميركية 150 هدفا كما اشيع (او 50 هدفا كما روجوا بعد التخفيض) فان لدى القوى المدافعة عن سورية بنك اهداف يتجاوز الـ400 هدف استراتيجي كبير يمكن مشاغلته على مدار الساعة.
3) تستطيع اميركا ان تطلق نارا من خارج حدود سورية، لكنها لن تستطيع اجتياز الحدود بقوات برية في ظل وضع ميداني معقد في سورية حيث يوجد من القوى الرسمية والشعبية المسلحة ما يزيد على 700 الف مقاتل، يواجهون جماعات مسلحة وارهابية تصل الى 150 الف مسلح و ارهابي، واميركا تعلم ان ما حدث في كوسوفو او في ليبيا من اقتصار العمل على تدخل ناري جوي وبحري لا يمكن ان يتكرر في سورية مع وجود هذا القدر من القوى المدافعة، ففي ليبيا لم يكن هناك جيش بالمعنى الاحترافي للكلمة ولم تكن التشكيلات المسماة جيشاً ليبياً لتتعدى الـ10 الاف رجل ومع هذا اضطر المعتدي للاستمرار بعمله الناري هناك لمدة شهرين شارك فيها الحلف الاطلسي كله ومعه دول اخرى ( ادى الى قتل 150 الف ليبي ادعت اميركا انها جاءت لانقاذهم، وكان قتل قبل التدخل الاطلسي 7 الاف ليبي من مدنيين وعسكريين ومتمردين).
4) تعلم اميركا انها تواجه في سورية ومعها محور المقاومة قوى تتقن العلم العسكري وفنون الدفاع، وتعرف ان الدفاع الناجح يتجه ومن غير تشتيت القوى الى منع تحقيق اهداف الهجوم العدواني، وبالتالي وبعد ان حدد اوباما صراحة اهداف العدوان بانها المحافظة على امن اسرائيل والمحافظة على استمرار تدفق النفط، فان الدفاع لن يكون عاجزا عن افساد الاهداف الاميركية خاصة ان القوى المدافعة تملك من القدرات ما يمكنها من تحقيق اغراض الدفاع بكل تأكيد.
5) تعلم اميركا ان خصومها يملكون من القدرات الميدانية والشعبية ما يمكنهم من ايلام حلفائها وعملائها ومن الانظمة السياسية التي تلهث وراء تنفيذ العدوان، لان هذه الحرب ان وقعت لن تكون في حدود الزمان والمكان والطبيعة والمدى الذي تحدده اميركا، وللمدافع ان يختار الميدان والاسلوب والوسيلة التي في استعمالها تلحق الالم والضرر بالمهاجم الى الحد الذي يشعره بان متابعة العدوان ستكون من غير جدوى وانها ستكون ذات ثمن لا يمكن ان يتحمله.
اعتقد ان اميركا تعلم كل ذلك، وهذا ما جعلها تهدد بالعدوان دون ان تنفذه حتى الان ،امتناع كان اصلا بسبب قوة الردع الفاعلة التي تمتلكها سورية وحلفاؤها، وقد راهنت اميركا على تفكيكها ففشلت، وحاولت توفير حلفاء اضافيين لها فتعثرت، وحاولت التضليل حول سبب الحرب واهدافها ومداها فاخفقت، ثم انها واضافة الى ما ذكر من عقبات ،باتت تواجه مستجدات دولية ومتغيرات تضيف عقبات اخرى حيث ان اوباما وقف في الاسبوع الاخير على حقائق جديدة وجدها امام ناظريه ساطعة سواء في قمة ال 20 في روسيا او في جولته حول العالم او في اميركا ذاتها وهي كلها من طبيعة واحدة تؤكد القول "لا للحرب العدوانية على سورية "، وقد شكلت تلك الصور عوائق اضافية امام تنفيذ القرار الاميركي بالعدوان خاصة لجهة :
1) ما لمسه اوباما من انقسام في مجموعة ال 20 حول قراره بالعدوان، وانقسام لا ينفيه خداع اميركي وادعاء بان 11 دولة ايدت العدوان، حيث ان الحقيقة انه من اصل 20 عضوا لم يكن الى جانب اوباما في سان بطرسبرغ ومستعدا للمشاركة في العدوان الا اربع دول هي فرنسا وتركيا والسعودية واستراليا وايدته ثلاث دول، ورفضه من يمثل 2/3 سكان العالم، وكان لرفض امين عام الامم المتحدة وبابا الفاتيكان قيمة معنوية هامة تقول لاوباما "ان حربك على سورية غير مشروعة وفعلك ضدها سيكون عدوانا " لا نرضى به.
2) ما لمسه اوباما من خوف حقيقي على مصالح اميركا والمصالح الاقتصادية لحلفائها، خاصة في المجال النفطي ولجهة حركة المرور في ممرات الشرق الاوسط طيلة فترة العدوان التي قد تمتد الى مدى لا يعلم اخره – ان وقع العدوان – وهذا ما سيجعل الاوروبيين بصورة خاصة يقفون من اجل مصالحهم في موقف حاد ضد العدوان لا يمكن لاوباما ان يتجاوزه.
3) ما لمسه اوباما من كلفة مالية للعدوان، ومن تردد بعض دول الخليج في تمويلها بعد ان كانت تعهدت بذلك ثم تراجعت تحت وطأة متغيرات داخلية ودولية شتى، وان المواطن الاميركي الذي مازال يئن من عبء ال 800 مليار دولار التي تحملها نتيجة حروب عدوانية عبثية خاسرة خاضتها اميركا خلال العقدين الماضيين لا يبدو انه مستعد لتحمل المزيد من الانفاق خاصة انه لا افق لهذا الامر ولا مردود ايجابي له عليه.
4) ما لمسه من انقسام في المجتمع الاميركي حول العدوان، وهو رغم كل اضاليله الاعلامية لم يستطع حتى الان ان يحظى على الاغلبية الشعبية المؤيدة لقراره، ولذلك وعد بالتوجه للشعب الاميركي في خطاب مباشر غدا – الثلاثاء – لتبرير عدوانه ومحاولة تغيير اتجاه الرأي العام الرافض له، وقد كانت نتيجة تصويت لجنة الشؤون الخارجية والامن في الكونغرس رسالة قوية لاوباما رغم ان 10 فقط وافقوا من اصل 18 عضوا، ما اخاف اوباما من النتيجة في مجلس النواب لاحقا، الى الحد الذي جعل الكل يتوقع عدم الموافقة.
وعلى هذا الاساس وبعد ان بات اكيدا وفي فهم العالم كله ويقينه ان اي عمل عسكري تقوم به اميركا ضد سورية انما هو عدوان واضح من غير نقاش، وان سورية اعدت للامر ما يناسبه للدفاع عن نفسها لمنع العدوان من تحقيق اهدافه، مهما كان حجم العدوان ومداه، وهي لم ولن تخدع بالحيل التضليلية التي يروجها المعتدي من قبيل القول بالحرب المحدودة " وعدم المس بالنظام " وما اليه، فانها ترى ان العدوان هو العدوان وان الرد الدفاعي عليه لن يكون محدودا في اي حال، ومع ظهور عوامل دولية واميركية اضافت للعوائق الاصل – قوة الدفاع – عوائق اخرى حيث باتت اميركا امام قوة ردع تبديها سورية وحلفاؤها ليس بالسهل تخطيها، وقوة كبح دولية وداخلية تشكل لجاما يمنع اوباما من تنفيذ تهديده، يكون من المنطقي القول ان العدوان لن يقع، اما اذا حلت ساعة التخلي وارتكب اوباما حماقة في لحظة جنون فستكون على نفسها جنت براقش، وعندها ستكون لمحور المقاومة فرصة تسجيل نصر جديد يضاف الى سجل انتصاراته.
* أستاذ جامعي وباحث استراتيجي