قبل استئصالها في مشفى ثالث, وقبل أن يقدم لي الطبيب الجراح وصفا مقتضبا ومعبرا عن ماهية الزائدة الدودية .. فقال عنها أنها لا دور حيوي معروف لها حتى الآن ولا وظيفة ولا عمل, إنما هي زائدة , مجرد زائدة, وبمثابة لغم كامن يتربص بالجسد البشري , لا أحد يعرف متى وبمن يلتهب فجأة وينفجر فيخرب ويمكن أن يميت .
ومثلما أثار وصف هذه الزائدة وخطرها الكامن والمحتمل دهشتي واستغرابي , فقد حرض في ذهني مواضع الخيال والمقاربة, وصور السحب والتعميم , بين الزائدة الدودية إياها وبين أمثالها من الزوائد المشابهة أو المطابقة لها في مجتمعاتنا وحياتنا اليومية وفي قطاعات العمل والإدارة , حتى ليظن المرء منا أن ثمة زوائد من هذا النوع وعلى هذا القدر من العطالة واللا دور أو الوظيفة, وبنفس السوية من أخطار الأذية ونشر المرض , تتربص بنا أنّى اتجهنا وعملنا, تشغل قدرا واسعا من المكان, وتلتهم قدرا أكبر من الثروة والخير العام , لكنها لا تنتج ولا تعيد الإنتاج , وهي جاهزة دوما لممارسة التخريب والأذية في كل اتجاه .
الذين يمسكون ببعض مفاصل الإدارة هنا وهناك في قطاعي الاقتصاد والخدمات وغيرهما , ويشكلون مع آخرين شباكاً عنكبوتية تلتقط وتصيد وتبتلع الغادي والآتي, يتلطون خلف ثغرات القوانين والتشريعات و « الورق المضبوط » , فإما يحتكرون السوق والإنتاج وإما يغرقونهما , أو يهدرون التسعة هباء ليأكلوا العشرة, فما من منتج إلا وقابل لـ « الضرب» أو التزييف وما من خدمة إلا وقابلة للمساومة والتحويل إلى سلعة يبيعونها أو يشترونها .. أليسوا أولئك زوائد دودية ؟
الذين يتموضعون دائما في غير أمكنتهم وفي منتصف الطريق بين التنمية والمواطن, يعجزونها بجهلهم ويرهقونه بتسلطهم, العازفون على أوتار التسلق والرياء والاستزلام .. يعطلون الدور والوظيفة , ثم ينبرون بأنياب قاطعة إلى رقاب كل من ينتقد أو تأخذه الدهشة مما يجري .. أليسوا زوائد دودية ؟
وفوق أولئك وهؤلاء , تأتيك من هي أمرّ وأنكى من الزوائد الدودية التي تستقر في العقل , تنتسب إلى القرن الحادي والعشرين زمنيا, وتسلك سلوك القرون الوسطى وعيا وإدراكا .. كلها زوائد دودية توجد هنا وهناك وفي كل وقت وزمان , تعطل وتفتك , ولكن لا هم إن عطلت أو التهبت , المهم أن يتوفر دائما طبيب لا يخطىء , يشخص مكان الزائدة والتهابها , بمبضع أو بقرار أو بقلم, يجيد استئصالها وتنظيف المكان من سمومها !!