ولا بحقيقة أن سورية التي أرادت إسقاطها، تعيش هذه الأيام مرحلة تصفية العدوان الكوني الذي خططت واشنطن له وقادته لاستهدافها مُجتمعاً ودولة ووطناً، موقعاً ودوراً له ما له من حضور وأثر بالغ الأهمية بالمنطقة والسياسة.
لا نُنكر في سورية أهمية انخراط الشركاء من الحلفاء والأصدقاء بالمعركة ضد قوى الإرهاب وضد من يقف خلفها من دول منظومة العدوان، بتحصيل النتائج الكُبرى التي لا تتجسد فقط بهزيمة فصائل الإرهاب وتنظيماته، بل بإحراق كل أوراق العدوان وإسقاط أذرعه، لكننا وكل العالم نعرف أنّ كسر مُعادلات القوة المعادية السياسية والميدانية، ما كان ليحصل لولا صمود سورية الأسطوري شعباً وجيشاً وقيادة، ولولا تمسكها القوي بسيادتها ووحدتها وحقوقها الوطنية.
بالمُقارنة بين ما كانت تمتلكه الولايات المتحدة، ومعسكرها، من أوراق لعبتها واحدة بعد أخرى في سياق عدوانها على سورية منذ البداية، وبين ما تمتلكه اليوم من كومة رماد وأوراق تالفة، يتضح جيداً أنّ الفرق بَيّنٌ لا تحتاج قراءته لمُتابع بارع، فالمُعطيات والوقائع السياسية والميدانية تترسخ بما لا يُتيح لأحد الوقوع بخطأ التأويل والفهم والاستنتاج.
مع انتهاء مرحلة تصفية العدوان على سورية قد لا تخرج أميركا من المنطقة مهزومة هزيمة كاملة، هذا صحيحٌ حتى مع تبلور نظام عالمي إقليمي جديد ستتحدد ملامحه لاحقاً بوضوح، لكنّ الصحيح أيضاً أن شكل أميركا الباقية في المنطقة سيكون مُختلفاً، وقدرتها على التأثير بالمسارات السياسية والاقتصادية ستتقلص إلى حدود غير مسبوقة ولن تعود إلى ما كانت عليه بالمطلق.
استغراقاً بحالة الإنكار، لا تملك أميركا من أمرها اليوم شيئاً إلا أن تُعيد النفخ ببالون الإرهاب المُمزق حتى تتعب بلا جدوى تحققها سوى مُراكمة الفضائح، إذ لن ينهض الدواعش حتى لو احتضنت حُثالاته داخل قواعدها العسكرية التي أنشأتها، لأنها زائلة، ولن تقوى على لملمة وتوحيد شتات فصائل جبهة النصرة وأخواتها حتى لو تمكنت من حل أزمتها مع النظام التركي الإخواني المُشرف والراعي الحصري لها، وربما تصل ليدها حرائق الورقة الكردية التي ما زالت تُمسك بها!.
إذا كانت واشنطن تُبدي حالها على نحو آخر، وإذا كانت تُوحي بتصريحاتها النارية إلى ما لا يتوافق مع حقيقة ما وصلت إليه من عجز وتراجع، فلها أن تعيش زمناً إضافياً بالوهم لتكتشف لاحقاً أن ما تقبض عليه من حفنة رماد، وما تُمسك به من أوراق تالفة لا يتيحان لها رفع السقوف، ولا يوفران لها البيئة المناسبة للنبرة العالية بإطلاق التهديدات، ولتُدرك أخيراً أن هذا وذاك لن ينجح أيضاً حتى بتحسين شروط التفاوض.