ووفق المواجهات الموصوفة تتحدد النتائج وفقاً لتلك المقومات ، والمنتصر في الميدان يفرض شروطه، وهنا قد تتدخل العلاقات فتعطي المهزوم جزءاً من مكسب يحفظ به ماء وجهه أمام من ساقهم إلى الموت دون حساب، فضلاً عن الأكاذيب التي ساقها أمام مؤيديه في عدوانه الخاسر.
وهكذا في الحدث السوري تذهب التوقعات بعيداً وخارج دائرة المألوف والمعروف، فثمة أصوات ترتفع من فنادق النجوم الخمسة تهرف بما لاتعرف وتروي روايات أبعد من الخيال وهي لاترى مايحدث في الميدان ، ولا ترى المتغيرات الدولية، ولا تشاهد حتى الخريطة الميدانية فتحدث عبر شاشات التلفزة وكأنها ما زالت في لحظة الصفر، لحظة بدء العدوان الغربي الإرهابي على سورية وربما لا غرابة في الامر فتلك الأصوات قد اعماها الحقد المحمول على الدعم المالي والتمويل الصهيوني والخليجي على السواء، ولذلك فإنها لاترى أبداً، حتى انها لاتدرك المتغيرات في مواقف الحكومات والأجهزة الاستخباراتية التي قادت العدوان على سورية ، وكيف تتراجع مضطرة ومجبرة تحت وقع إنجازات الجيش العربي السوري الباسل وانتصاراته في الجبهات كلها، وهي لا تلحظ المتغيرات والتطورات في المواقف الدولية، فما بالها والاشارات الواضحة الصادرة عم قادة الدول العظمى وخاصة ، وسيا الاتحادية حين يعلن رئيسها فلاديمير بوتين أن الإرهاب قد انهزم في سورية داعياً العالم كله الى التعاون والتفكير في عملية إعادة الاعمار بعد انتصار سورية والقضاء على الإرهاب.
ويبقى أبعد من ذلك المواقف المتخبطة للولايات المتحدة الأميركية، وهي تضيع في متاهات ماصنعت ، فهي قد اوجدت داعش ووظفتها ومدتها بالسلاح والمعلومات والتجهيزات ، فيما حصدت الفشل والهزيمة ، وهي الآن لا تدري كيف تعيد توظيف من تبقى من عناصر التنظيم ممن خرجوا من الرقة والميادين وغيرهما واختلطوا مع « قوات سورية الديمقراطية» استعداداً لمتغيرات جديدة فما هي تلك المتغيرات المحتملة؟.
ربما يقوم عناصر داعش برمي سفارهم وحرق اعلامهم وخلع ملابسهم وحلق شعورهم ولحاهم وحمل سلاح قوات قسد ورفع اعلامهم باعتبارهم جزءاً اساسياً من المشروع الأميركي الصهيوني، وربما يتم نقلهم عبر مناطق تواجد البيشمركة الكردية الى مناطق أخرى من العالم بعدما استنفدوا مهمتهم في سورية والعراق، أوبالاحرى بعدما فشلوا في تنفيذ المهمة الموكلة إليهم في تدمير بنية وكيان الدولة الوطنية في كل من سورية والعراق على السواء ، الامر الذي يستدعي تغيير جلودهم واستبدال هويتهم وتحريكهم الى منطقة أخرى في المشروع الاستعماري الغربي باعتباره يرى العالم كله حديقة خلفية للولايات المتحدة الأميركية ينبغي نهب ثرواتها واستغلال شعوبها والتحكم بمصائرهم وربطهم بالسياسات الامبريالية بقوة.
الامر المؤكد ان ذلك المشروع فشل فشلاً كلياً ولم يعد قادراً على الاستمرار في المنطقة نتيجة الصمود السوري ببساطة ، وهو لاشك يحاول الخروج من المأزق الصعب باحثاً عن مخرج مشرف يعكس المكانة الكاذبة للإدارات الأميركية المتعاقبة تلك الإدارات التي لا تعترف بالهزيمة ، وهي على استعداد للمضي في المضي في المزيد من الدمار طالما لم تستطع ان تحقق أهدافها ، وهو ما يجعل عامل القلق حاضراً في الحدث السوري، فلا الولايات المتحدة الأميركية قادرة على تحقيق أهدافها، ولاهي قادرة في الوقت نفسه على الاعتراف بالهزيمة وإعلان خطأ خياراتها وهو مايجعل الباب مفتوحاً امام المزيد من احتمالات المواجهة، خلافاً لما ينظر اليه العالم، وينتظره سكان العالم الذين تضرروا بشكل ما من الممارسات الأميركية بخاصة فيما يتعلق بسورية.
ذلك ان العدوان الذي استهدف سورية حولته الى نموذج للمواجهة والصمود بصورة غير مسبوقة في التاريخ البشري ، وترك ذلك آثاره على العلاقات الدولية كلها، وفتح الباب امام اجتهادات جديدة في مستوى العلاقات الدولية وفق التجربة السورية وما اوحت به للباحثين والاكاديميين والسياسيين والقادة لينهلوا من تلك التجربة العظيمة التجربة التي لاتعرف إلا النجاح والانتصار في النهاية.