وقد ترك ثبات سورية وصمودها تأثيرات انعكاسية على العلاقات العربية العربية كلها، بغض النظر عن الموقف المؤيد أو المعارض أو الحيادي ممن قال بسياسة النأي بالنفس أو التزم الصمت، فالحرب الإرهابية شكل مخرج للمخطط الاستعماري الغربي الذي يستهدف الكيان العربي برمته من خلال عمليات التجزئة والتقسيم واختلاق الخلافات المتعلقة بتوزيع الثروة أو اقتسام السلطة وصولاً إلى تجذير فكرة حماية الكراسي والعروش والإيمان المطلق بقدرة وإمكانية الولايات المتحدة الأميركية وحدها على حمايتها، الأمر الذي يفسر تسابق الأنظمة الرجعية في استرضاء العدو الصهيوني والمسارعة لدعم مواقفه وطروحاته في اللقاءات والمؤتمرات والمنظمات الدولية والإقليمية، طلباً لاستحصال شهادات حسن أداء بما يرضي السيد الأميركي في نهاية المطاف.
المتابع للعلاقات البينية العربية يلاحظ التغير والتبدل فيها تبعاً لتطورات العدوان على سورية، فبعض الحكومات تسعى لاتخاذ مواقف مهادنة أو أقل حدة بانتظار آخر المستجدات يقيناً منها بفشل المشروع العدواني مقابل انتصار سورية وخروجها أكثر قوة وصموداً من مرحلة ما قبل الثامن عشر من آذار٢٠١١،. إذ كان للموقف السوري التأثير الأكبر في مسيرة العلاقات الدولية وإعطاء الموقف الروسي القوة القادرة على مواجهة الاستفراد الأميركي الذي حكم المجتمع الدولي منفرداً لأكثر من عقدين من الزمن فكان الحدث السوري محطة مفصلية في العلاقات الدولية لتعود القوانين والتشريعات الأممية لتأخذ مكانتها في الكثير من القرارات الدولية، وإن لم يكن فيها كلها.
أما العرب فقد تنازعتهم المصالح الضيقة والآنية متجاهلين أو جاهلين وثوقية العروة العروبية التي تربط الشعب العربي كله بعضه ببعض مهما اختلفت مصالح الزعماء والمشايخ والملوك والأمراء من الحكام ممن لا يهمهم غير زيادة ثرواتهم وعقاراتهم خارج البلدان العربية.
وثمة خلافات ومواقف تم تحميلها على الحدث السوري وإن كانت حتى في الجانب المعادي لسورية كلها، فالخلاف الذي نشأ ما بين الأنظمة الخليجية حول مدى الولاء للولايات المتحدة الأميركية تم إخراجه على بند الإرهاب ومحاربته وهم يدركون أن الإرهاب يتمركز في سورية، فلا قطر اقتربت من الحق، ولا السعودية وشقيقاتها استجابت للمواثيق والأعراف الدولية، لكنها كلها ستجد نفسها أمام استحقاقات قادمة مرتبطة بالحدث السوري في نهاية المطاف، شاءت أم أبت، فمع الانتصارات السورية المؤكدة، ومع الدخول في مرحلة إعادة الإعمار ستكون تلك الأنظمة على موعد مع محاكمات شعبية لمواقفها من العدوان على سورية وتفريطها بالكثير من ثرواتها وصرفها في دعم الإرهاب، حيث ستتكشف الحقائق وستظهر الكثير من الوقائع التي تكشف كذب الروايات التي ساقتها تلك الحكومات خلال فترة العدوان وما رافقها من تجنيد لإرهابيين من بلدانهم وغيرها.
ولا يبتعد الموقف الأخير في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو) عن التأثير المباشر للحدث السوري، فالخلافات العربية غير المسبوقة أفضت إلى استبعاد المرشحين العرب واحداً بعد الآخر في حالة غير مسبوقة في تصويت العرب في هذه المنظمة.