ولعل تقرير لارسن يدخل دائرة الجدل من هذا الباب على خلفية التفاصيل التي تجاوزت كثيرا حدود المهمة المكلف بها من الأمم المتحدة, وأخطرها المطالبة بتغيير الثقافة السائدة التي اعتبرها أحد المطالب الضرورية لتهيئة الأرضية لاستكمال تنفيذ القرار ,1559 وبالتالي تحقيق اختراق سياسي يوفر الشروط الموضوعية من منطلق العمل على المهمة الموكلة إليه.
وإذا كان من المثير أن التغيير الثقافي ذاك, يدخل في إطار الأفكار المتداولة لتحريك السياسات الدولية وتدويل المنطقة بمشاكلها وقضاياها, ولا سيما عندما يكون ذلك التغيير المدخل لتوصيف عناصر التبديل الضرورية, فإن الحقيقة التي تقود إليها تفتح المجال واسعا أمام خبايا السعي الدولي والأميركي لاستكمال تنفيذ القرارات الدولية المتعلقة بلبنان وسورية دون غيرها, في سابقة هي الأولى, وإن كانت تعكس الأهداف المطلقة التي تقف وراءها.
وبغض النظر عما يعتبره البعض جهدا حثيثا لتطويق المنطقة سياسياً, وهو واقع تفرزه وتؤكده جملة من المعطيات, فإن طريقة الاستهداف بصيغها الجديدة تؤشر إلى الأسس التي يتم اتباعها وفقاً للأولوية, تمهد لها حركة المخطط المرسوم للمنطقة, بحيث تتم عملية المباشرة في تنفيذه عبر أكثر من طريق, ووفق أكثر من أسلوب.
ولا أحد يستطيع أن ينكر الحركة التوافقية والتناغم في تلك الاتجاهات, سواء لجهة التوقيت الذي تتحرك من خلاله, أم لجهة الترابط في استنتاجاته, أو لجهة الملفات التي فتحها, والتي كانت حتى وقت قريب مؤجلة.
فقد برز في الفترة الأخيرة التكثيف المثير في طرح الملفات, وتم تحريك العديد منها بالتناغم مع حركة الاستهداف حتى باتت جزءاً لا يتجزأ منها, ويمكن تلمس ذلك بوضوح في مساعي البعض لإشغال الساحة السياسية اللبنانية بها دفعة واحدة, توظف جميعها للضغط والتلويح والتهديد والابتزاز.
وتتلاقى جميعها عند محور واحد يكاد لا يغيب عن الحديث السياسي المكرور هذه الأيام, كما أنها في بعض الأحيان تتجمع في سلة تتجه نحو هدف واحد, تبرز تفاصيله في الحراك المشبوه الذي يذهب إليه البعض, وكأن الإدراك السياسي الذي نزل على أولئك بوحي مشترك اختار التوقيت الأخطر لفتح الجبهات دفعة واحدة.
إن ما ذهب إليه لارسن لا يعكس الرغبة في استقرار لبنان, ولا يقف عند حدود التدخل في الحياة الثقافية والاجتماعية, بل يتعداه إلى مستويات خطيرة تتعلق بالذهنية وبالرؤية اللتين أضحتا موضع الاستهداف الحقيقي.
لذلك لم تكن القضية مرتبطة برفض التدخل فحسب, إنما هي في عملية التحذير من الإملاء التي لم يعد حكرا على الفضاء السياسي, ولم يعد محصورا في التنفيذ العملي لسيناريوهات, كما هي في اللحظة التي تعني من حيث المبدأ, البرمجة السياسية لتفكيك المنطقة.
وهو ما يبرز في عملية تتجاوز الموقف, وتصل حدود الملامسة للذات الثقافية والحضارية وللقيم, بما تمليه من جداول استحقاقات لا تقف في أي لحظة عند عتبات الاستدراك لما تم تحقيقه, بقدر ما تمهد لاستلاب لا يترك أمامه حدودا ولا سقوفاً.