| ســـــــورية الجميلــــــــة..رسائل الحب الستيني (80) ثقافة كأن ذاكرتي تحتاج الى غياب طيفك كي أقرأ ما كان قبلك.. يوم جميل، كثير من الضحك والطعام والشراب وأنتِ تملئين كياني فلا فرصة لأن يتسرب إليّ الطنين.. يومها لم تكوني.. ولا أحد يكون حيث أكون.. كنت فرداً وحيداً وما أتذكره جميل.. لكن.. لعلها الذاكرة المشتهاة.. غابت الهموم وبقي ما يريح النفس.. أؤمن أنني عانيت كثيراً.. أؤمن أنني بحثت عنك ولم تكوني.. مضى على ذلك 28 عاماً وأنت كما تعرفين تقفين عند الـ 25.. وأجدك قديمة قدم التاريخ، تستمرين في استمرار الحياة.. لأنك سورية الجميلة.. ولأنك الحب.. طلائع تشرين الأول والآضحى على الأبواب. خريف تنكسر طلائعه على أواخر الصيف ومع وحدتي وأنت التي لم أركِ بعد ولم أجدكِ.. وأصدقاء.. قصدنا لا أعرف من؟ لا أعرف أين؟ لكنها طرق في غابات، والجمال إلى حدود الاندهاش.. أصدقائي في المشوار يذكرونني دائماً من أنا.. فمنذ غادرنا الشيخ بدر يروون لي حكاية الفلاح الذي يجب أن أهتم بقضيته كوني صحفياً.. الصورة غير كاملة في ذهني.. المنحنيات.. المنعطفات.. الطرقات الضيقة «مرور القدم» روائح الطبيعة.. أتذكر تماماً تلك التي مررت بها معك.. كأن هذه الذاكرة مسحت ما قبلها.. أو طغت عليها.. هل هذا عدل؟! باحثاً عن إحقاق الحق وإقامة العدل مستجيباً لنداء الذين رافقوني دخلنا ذاك المنزل.. إنه المساء ولم أحفظ من هندسة البيت إلا باباً مفتوحاً وجمعاً من بشر استداروا حول طبق من قش وفيه خبز وإدام، معهم رجل ربما يوحي شكله بأكثر من عمره، نحيل يرتدي السروال الأسود القديم وقميصاً قطنياً داخلياً خفيفاً. حلفوا علينا أن نشاركهم الطعام واعتذرنا.. فتوقف الرجل ونهض يجالسنا.. واستعددت أنا لأسمع مسيرة ظلم جديدة طالما أنا صحفي يبحث عن مواقع الظلم.. لست شديد الاهتمام ولم يدركني الملل بعد.. لكن الرجل لوحده قلب الحديث، قال: - صحيح قتلوا رئيس مصر..؟! - نعم.. وصل إلى المشفى وقد فارق الحياة بعد أن أطلقوا عليه النار في عرض عسكري.. رغم الضوء الشحيح في البيت لم تخف وجهه معالم الرضا، ربما الفرح... قال: - هذا عدل.. قلت: - إنه الموت.. قال: - الموت حق.. وقتله ورد في «الجفر».. كثيراً ما سمعت بهذا الكتاب وما يروى عنه ومنه.. ولم أره في حياتي.. بل أنا أعتقد أنه غير موجود.. هي مجموعات من كتابات مأخوذة من هنا وهناك.. وكلما طابق حديث فيها حدثاً يقع.. قالوا: الجفر.. سألته: - أعندك الجفر..؟1 قال: نعم نهض بخطا متثاقلة حافي القدمين منحني القامة، قليلاً، متوسط الطول أقدر أن وزنه لا يتجاوز 50-60 كيلو غراماً.. منظره وخطواته في الضوء الشحيح والصندوق الذي فتحه وأخرج الكتاب منه.. أشبه بالخرافة التي غيرت مزاجي.. وأصبحت مذهولاً بما أرى وأسمع.. أحضر الكتاب وبحث عن نظارات فريدة، ساعدها قطعة من المطاط الذي يشدون به الألبسة على الجسد وبلورتاها دائرية تماماً.. وضعها وشدها على عينيه بالمطاطة التي شكلت حلقة حول رأسه، وبدأ يقلب كتابه.. اقتربت من الكتاب.. لا شيء على الغلاف.. بل لعله بلا غلاف.. ورق أصفر وخط أسود أقدر أنه جميل منسوخ نسخاً. قلب بعض الصفحات وبدأ يقرأ.. صوت هادىء ناعم يشتبك مع اللغة وحركاتها، ينسجم أحياناً وغالباً لا ينسجم... وحتى ما قرأه من الكتاب لم يكن كامل الانسجام مع اللغة... قرأ.. وأذكر مما قال: «ينكسر المسلمون ويدفنون قتلاهم عند قرية خان أرنبة..» ضحك صديقي وقال لي: - سمعت يا أستاذ.. عند خان أرنبة.. ألم تكن شاهداً.. < كنت يوم استعدنا المقبرة.. - ماذا تقول إذن. صديقي لم يكن يتحدى علمانيتي.. وهو علماني أيضاً، اتفقنا قبل أن يتابع الرجل قراءته أن مثل هذه الأمور تحصل بالصدفة.. تابع الرجل إلى أن وصل إلى عبارة تقول: «وتقتل مصر مليكها..» اقتربت من الكتاب أكثر،وسألته عن موقع العبارة فدلني عليها.. قال صديقي: - وماذا تقول الآن؟ «تقتل مصر مليكها».. لم تكن كافية لتغيير أي من قناعتي العلمانية.. صديقي.. كنت أشعره دائماً علمانياً مع بعض الروحانيات.. وبالتالي اعتقد أن ضحكاته لم تخف انتصاره علي. ثاني أيام العيد.. غادرت الشيخ بدر ولم أعد مع صديقي بسيارته إلى الشام.. عندما شرحت لوالدي عما مرَّ بي قال رحمه الله: هذه الكتب تقول الكثير.. ما يصح منه نحفظه وما لا يصح لا أحد يسمعه ولا ينشره.. وسألني: هل وجدت لك عروساً في الشيخ بدر.. يا أبي المسألة ليس أن تجد عروساً.. هل تعلم أن الكرة الأرضية تدور.. - طبعاً.. نحن ندور عليها ومعها.. في نقطة محددة يلتقي أحد بآخر،، نتيجة دوران الحياة... لم يعترض.. لم ينف.. بحدث عابر التقيتك.. هذا ما تفعله قوانين دوران الكرة وجاذبية الارض.. ما بعده فعلناه نحن.. هكذا وذات أصيل.. وحيدين كنا أحسست بولادة القوة فولد فيّ الحب.. دائماً أريد أن أقوى.. قال القرحيلي: من يمضيها حباً وغزلاً.. يخلف بيتاً من شعر أو حكاية.. أخيراً ولست متأخراً.. أعجبني أن يرثني بيت من شعر أو حكاية.. مع تحياتي لأسامة ورولا... فكل منهما قصيدة وقصة.. وأنت حكاية أخرى..
|
|