قبل أن يستعر الجدال في تركيا اليوم على المستويين الأكاديمي والشعبي حول إن ما كان أردوغان يحمل شهادة جامعية أم لا .. إذ ووفقاً للدستور التركي فإن أردوغان سيكون فاقد الأهلية لمنصب الرئاسة لو صحت التحريات حول عدم حصوله على الشهادة الجامعية؟
الدكتوراة الفخرية كما هو معروف هي مجرد شهادة تقديرية لا أكثر، يجوز منحها لأي أحد تقديراً له ولجهوده في مجال ما، لكن لا يجوز لحاملها أبداً العمل بها أو ممارسة الاختصاص الذي تتحدث عنه الشهادة، ولهذا السبب هناك شهادة دكتوراه فخرية لكن ليس هناك على الإطلاق شهادة جامعية «إجازة أو ليسانس» فخرية... فلا أحد ولا مؤسسة يحق له منحها ولا أحد بالمقابل يمكن أن يحوز عليها لأي سبب دون دراسة أكاديمية محددة ومشروطة.. اللهم إلا بالنصب والاحتيال والرشوة!
الملاحظ هنا أن لدى أردوغان نوعاً من النهم والشراهة في البحث عمن يمنحه المزيد من شهادات الدكتوراه الفخرية، وقد يكون عجزه عن الحصول على شهادة جامعية حقيقية يقف وراء هذا النهم لجمع شهادات الدكتوراه الفخرية .. تماماً كهواة جمع الطوابع، وهي حالة يفسرها علم النفس بأنها طريقة للدفاع النفسي عن الذات أمام الذات، ومثل هذا النهم أو الشراهة لحيازة الدكتوراه الفخرية أو حتى الأكاديمية المباعة أو المزورة تتجاوز أردوغان إلى الكثيرين غيره في المجتمعات المتخلفة عامة، والعربية والإسلامية خاصة، حيث يسعى حملة هذه الشهادات إلى بناء حضورهم النفسي والاجتماعي .. وحتى السياسي على الإيقاع الذي تتركه عادة مفردة «الدكتوراه» لدى الآخرين !!
مفردة «الدكتوراه» ليست المفردة الوحيدة المؤثرة في المستوى الأفقي لهذه المجتمعات، والتي يمكن أن يكون لها آثار وتداعيات مزيفة وغير حقيقية، فثمة مفردات أخرى ذات وقع خاص ومؤثر .. وأحياناً مدمر، خاصة حين يحاول مستخدمو هذه المفردات العمل بها أو تطبيقها في الواقع وبما يمس الناس ويؤثر في حياتهم، فيقعون ويوقعون الناس معهم في مزالق وحفر شبيهة، وأكثر أثراً وتخريباً بما لا يقاس بمحاولة حملة الدكتوراة الفخرية العمل بها أو استخدام الاختصاص الوارد فيها !
قد تكون «الديمقراطية» في مقدمة تلك المفردات المشابهة لمفردة الدكتوراه، ومثلما أن حملة الدكتوراه الفخرية عادة لا يجيدون اختصاصاتها لأنهم لم يدرسوها أصلاً وقد لا يعرفون شيئاً عنها، ولو مارسوا عملاً ما بموجبها قد يتسببون بكارثة .. فإن مرددي مفردة الديمقراطية وحملة ألويتها في مجتمعاتنا، ولأنهم لا يعرفون عنها وعن شروطها ومناخاتها سوى لفظها وترديدها .. فإنهم سيتسببون أيضاً بكوارث أعظم بكثير بحق شعوبهم ومجتمعاتهم حين يحاولون ممارسة العمل بهذه المفردة وتطبيقها، وهي بالنسبة إليهم فخرية؟
لكن التساؤل الأخطر هو .. ماذا لو أن الراغبين بممارسة الديمقراطية الفخرية في مجتمعاتنا كانوا من حملة الدكتوراه الفخرية أيضاً؟؟