بل بعضها على الأقل يضفي على رحلة ذهابه غموضاً مزدوجاً في التعابير التي يحملها، حيث ترمي بأثقالها على كاهل الأميركي، وكأن كرة الثلج التي تدحرجت لا تريد أن تتوقف.
اللافت أنه يحضر، ولا يزال يحتفظ بحقائبه القديمة، ممسكاً بأوراقه التي اضطر غير مرة لتنسيقها وسحبها من الواجهة.. من دعم المسلحين إلى الأخذ باستجداء أدواته في المنطقة بالمماطلة لبعض الوقت، مروراً برغبة الإسرائيلي في استمرار التصعيد، وليس انتهاء بما تشهده الساحة الإقليمية من تطورات لم تأتِ على الأقل في التوقيت الذي كان يريده الأميركي..
يحضر .. وعينه على وكيله التركي الذي يتخبط في مواجهة مفتوحة على خيارات أحلاها مرّ، وقلبه مع الإسرائيلي الذي يتحسس ورطته بعد مغامراته غير المحسوبة،والانكشاف المفضوح للحبل السري الذي يربطه بالإرهابيين، ويده مغلولة بيد أُجرائه في المنطقة الذين يتجرعون مرارة الخيبة والانزواء في إحصاء خسائرهم على الأرض وهزائمهم في السياسة.
على المقلب الآخر يبدو الروسي وقد أحضر معه أوراقه المؤجلة التي لم يُشهرها بعد، والكثير من حقائبه المعتادة قد اعاد ترتيب ما فيها، ليملي على الطاولة قرائنه القاطعة وحججه الدامغة، ويرسم بوضوح مبادئ اختطتها السياسة الروسية منذ البداية، ولا تزال تحافظ على وتيرة تصاعدها.
ورغم الحضور الأممي المزمع في جنيف الذي جاء مستقويا بالثعلب الأميركي المراوغ، فإنه لا يمتلك ما يكفي من أوراق ليكون طرفاً إضافياً قد يعوض ما يفشل به الأميركي ويرمم نقاط ضعفه، وقد أحضر بدائله لما تم تحييده أو انتهت صلاحية استخدامه بحكم التقادم في الأحداث، ولا يعدل في الأمر حين يستحضر عراب المهمة الذي كان شاهداً على كواليس الاتفاق الذي أنجزه فيلتمان، وكفيلاً حصرياً للمهمة قبل أن يتولاها.
فالأميركي الذي باع واشترى في الوقت حتى اختلط عليه الفارق، يبحث اليوم عمن يبيعه بعضه، وعمن يقرضه ولو كان بالفائدة أو بالتقسيط على موسم الاستحقاق القادم، فالوقت لم يعد لمصلحته، ولا لمصلحة أجنداته، والأميركي الذي كان يعاند ريح التطورات ويعاكس اتجاه التطورات، نراه يستجدي من ينتظره، ويستمهل من يسبقه.
في رحلته إلى جنيف.. تستبقه تقارير الناتو الصادمة، وتواجهه خيبة الأمل من حلفائه الأوروبيين، بعد أن باتت خطوات تسليحهم للإرهابيين عبئاً إضافياً يثقل كاهله، فيما تعرجات مواقفه تزيد حالة الصداع التي تؤرق مشيخات الخليج، وهي ترتعد من «البروفة» التركية في أولى جولاتها، وهي تدرك أن هناك جولات أخرى لم تأتِ بعد، على دفتر مواعيدها جولات جديدة.
بين صولات الميدان وجولات السياسية ترتسم الإحداثيات، وهي تحاكي صداعاً معدياً أصاب الأميركي ومن معه من أدوات ووكالات وأصالات، وعلى هوامشها تكتب انكسارات وتصدعات الإرهابيين، وبين خطوط عرضها وطولها تلحظ هلع مموليهم وحاضنيهم، وعبثية توكيلاتهم، لتبقى البيّنة في نهاية المطاف على من ادعى.
ليس من باب جردة الحساب ولا هي من زاوية الغمز من الاولويات والمواعيد وربما الشهور والاسابيع، لكنها نقاط لا بد من أخذ مواقعها فوق حروفها بعد ان تاهت عنها طوال أعوام اكتست فيها خصائص ليست لها وتعدلت بالقياس إليها مفاهيم وتغيرت معادلات تحتاج إلى تصحيح كي ترسم الضوء المنتظر في آخر النفق.
a.ka667@yahoo.com