فتجده فيهما فيلسوفاً معلماً وخطيباً مفوهاً, ومناضلاً عنيداً لا يمل ولا يلين, يحدثك من السماوات العليا وانت في الدرك العميق, ويكون قد اختتم للتو آخر مجازره بحق حرية الرأي والعقيدة في وطنه!
وبعض العرب يغطي جاهداً السماوات بالعماوات, يتظلم من نقص الحرية والديمقراطية في وطنه ويناشد العالم وانسانيته النجدة والمساعدة في انصافه ورفع الظلم عنه, لكنه لايتوقف عن عزل الآخر من ابناء جلدته, مكفراً إياه, أو منتقصاً منه مايطلبه هو ويتوق اليه, فهو الذي حباه الله بنعمة الديمقراطية واقفل الخزائن بعده, اما غيره فقمعي ديكتاتوري ولاسبيل الى دمقرطته الا بتقوى عمر وصيام دهر, وهذا اقرب الى المستحيل?
اما البعض الثالث من العرب فيبحث عن مجده المضيع بأن يكسر مزراب النبع فيعطش ويعطش الآخرون, ومن ذلك المزراب يدخل الى التاريخ ولايخرج, وتحته سيرتشف للمرة الاولى عذوبة البلل بعد الجفاف, وسيحس روعة الانتعاش بعد الهجير, فهاهنا مصنع المجد ومبدأ التاريخ, يشرق حين يغرب الآخرون, ويصدق الوهم بأنه ركن او حجر, وهو طيلة العمر غبار تذروه الريح شمالاً وجنوباً.
مجد عظيم اصاب هذا البعض اذ تناولتهم الصحافة ووسائل الاعلام العربية والعالمية, وهو ما لم يحدث من قبل ابداً, بالحديث عن مزراب النبع الذي حطموه بكل مالديهم من رجولة وشهامة, وبكل ماواجهوه من ضغوط وتحديات قبل المزراب وبعده, وخاصة بعد ان اعترف لهم سيلفان شالوم وزير الخارجية الاسرائيلي, بأنهم العين العربية الثاقبة, التي رأت ماعجز الآخرون عن لمحه أخيلة وسراباً, وبأنهم شجعان وابطال إذ تحملوا من الضغط والاكراه مالايحتمله الشمشوم الشهير, واستقبلوا على ارضهم وفي مضاربهم من لفظه الاشقاء وأبناء العمومة, فنالوا الشهرة والنجومية واستعادوا مجدهم المضيع !
واقعنا العربي بات متخماً بالمنظرين ومفلسفي الواقعية السياسية, بات على شفير حافة السقوط ولايحتاج الكثير من محطمي المزاريب, ولم يعد ثمة لاحق منهم وسابق في هذا المضمار, والسؤال : من الشجعان الحقيقيون.. الذين يواجهون سيلفان شالوم ام الذين يستقبلونه?