تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


ماذا بقي من أنياب أميركا بعد قمة «بريكس».؟

الصفحة الاولى
الإثنين 2-4-2012
العميد الدكتور أمين محمد حطيط

عندما تفكك الاتحاد السوفياتي في العام 1989 شعرت اميركا ان الساحة العالمية فرغت لها لتنطلق الى انشاء امبراطوريتها الكونية مرتكزة الى ورقتي القوة الاساسيتين بيدها: قوة الاقتصاد

التي رأته انه الاقوى فيه في العالم، والقوة العسكرية الذاتية و التحالفية (الاطلسي واسرائيل) التي اعتبرتها قوة لا يجرؤ احد على مواجهتها، واضافت اليها القوة السياسية والدبلوماسية التي اعتقدت ان احداً في العالم لن يغامر في قول «لا» لها، دون ان ننسى قوة الاعلام المميزة، وبهذه الاوراق انطلقت اميركا معتمدة استراتيجيات ونظريات صاغتها خدمة لاهدافها مستعملة ادوات اهمها:‏

1) مجلس الامن الدولي الذي تحول الى مكتب في وزارة الخارجية الاميركية بجهوزية كاملة لاصدار اي قرار تريد ليشرع لها عملاً او عدونا او احتلالا.‏

2) البنك الدولي الذي تتحكم عبره باقتصاديات الدول خاصة الفقيرة و النامية عبر سياسة اقراض ومراقبة ظالمة تضع تلك الدول في قبضة القرار الاميركي.‏

3) القضاء الجزائي الدولي سواء في ذلك المحكمة الجنائية الدولية (التي لم توقع اميركا بروتوكولها ولم تنضم اليها) او المحاكم الخاصة التي انشئت عبر الطلب الاميركي لملاحقة هذه الدولة او الهيئة او الحزب او الشخص او ذاك.‏

4) اطلاق نظرية «التدخل الدولي الانساني» و«نشر الديمقراطية» و«الحماية الدولية» و«حقوق الانسان» وسيادة «المجتمع الدولي» التي تعلو السيادة الوطنية. وتسويق فكرة محاربة الارهاب (دون تحديد تعريف له رغم السعي الدولي الحثيث من اجل ذلك كما طالب الرئيس حافظ الأسد اكثر من مرة) و اطلاق مصطلحات من قبيل «محور الشر» و«الكيان الارهابي» و«رعاية الارهاب».‏

5) جعل الدولار الاميركي - الذي يطبع بقرارها من غير تغطية بالذهب – عملة للعالم ومراقبة حركة التحويلات النقدية عبره.‏

6) واخيرا اعتماد «استراتيجية القوة» لارساء هذه الامبراطورية مبتدئة بـ«القوة الصلبة» التي ترجمت حروبا و احتلالات في خمس مناطق من الخليج الى افغانستان الى العراق الى لبنان وصولا الى غزة، ثم انقلبت بعد حرب لبنان وهزيمة الغرب فيه الى «القوة الناعمة» والتي ترجمت تحريكاٍ للشعوب ضد الانظمة كما حدث في ايران واعمال اغتيال وقتل وضغوط اقتصادية وعقوبات وحصار لكل دولة لا تنصاع للسياسة الغربية.‏

وبهذه المنظومة انطلقت اميركا للتنفيذ مستبيحة العالم الذي ظهر منصاعاً لها حتى باتت و كانها قائدته الوحيدة، و لم تستعص عليها الا مقاومات الشعوب المحتضنة من قبل محور ممانع اطلقت عليه تسمية «محور الشر» وهو محور الشر على سياستها وخططها ما يعني انها خير للشعوب.‏

هنا برزت سورية و ايران والمقاومة في لبنان ومن تبقى من فصائل فلسطينية مؤمنة بخيار المقاومة في طليعة من يرفض ويقول «لا للاذعان لاميركا، قالتها ايران متمسكة بـ «لا شرقية و لا غربية» بل استقلال حقيقي وسيادة فعلية وحقوق لا تنازل عنها، وقالتها سورية –بشار الأسد لكولن باول وزير خارجية اميركا متمسكة بكامل الحقوق الوطنية والقومية، وقالتها المقاومة في لبنان فحررت معظم الارض المحتلة ثم منعت اسرائيل من احتلالها، ولهجت بها المقاومة الفلسطينية في غزة فاخرجت المحتل من داخل القطاع، و قالتها المقاومة العراقية فاخرجت الاحتلال الاميركي المباشر من العراق، و تستمر اليوم المقاومة الافغانية بالعمل لتحقيق طرد المحتل...‏

رفض استلزم مواجهات ادت الى كبح الجموح الاميركي و دفعه الى اخفاق تلو اخفاق حتى كانت ظاهرة الشارع العربي التي استغلتها او حركتها اميركا لتعوض من خلالها كل اخفاقاتها، و قد منت اميركا النفس باقتلاع قلعة المواجهة في سورية و اعادة فتح الطريق امام مشروعها الاستعماري.‏

لقد حبس العالم انفاسه في البدء و لستة اشهر وهو يراقب ما يحدث في سورية من حركة قيل زوراً انها «سلمية» ولكن كان واضحاً انها كانت مدعومة وموجهة باعلام النفاق والتضليل من اجل خداع الشعب السوري لدفعه الى محاكاة اكذوبة الثورات الملونة وتأكيد وجود ربيع عربي لنشر الديمقراطية، لكن وعي الشعب السوري و صلابة نظامه و قواته المسلحة و احتضان محور المقاومة لقلعتها سفه الاحلام الاميركية فانقلبت كذبة «المظاهرات السلمية» الى حقيقة وجود الاعمال الارهابية و هنا تمكنت سورية مع حلفائها من استيعاب الهجوم، وفتح الطريق امام القوى الدولية الصاعدة للتقدم و احتلال الموقع الملائم لحجمها الاستراتيجي الفعلي على الصعيد الدولي فبدأت مسيرة دولية فاعلة شكلت «الكارثة الاستراتيجية الكبرى» لاميركا و تمثلت بصعود دول تملك الاقتصاد القوي، و القوى العسكرية، والموقع الاستراتيجي والحجم الديمغرافي الكبير (44% من سكان العالم). والتقت هذه الدول في قمة اولى في العام 2009 تحت عناوين اقتصادية بحثت عبرها عن مخارج تقيها ترنح الاقتصاد العالمي الذي تقوده او تسيطر عليه اميركا. ثم رأت ان تطور اللقاء ليشمل السياسة والعلاقات الدولية العامة والامن بعد ان لاحت فرصة ثمينة بعد ستة اشهر من الصمود السوري و انكشف الدور الغربي في ليبيا، و كان الموقف الصدمة: الفيتو الروسي المزدوج في مجلس الامن في ايلول 2011 فيتو اعلان بداية حقبة جديدة في العلاقات الدولية و النظام العالمي.‏

لم تستطع اميركا ذات الاقتصاد المهتز والقوى العسكرية المرهقة والتحالفات المترنحة ان تخيف روسيا او الصين وتمنعهما من المجازفة، فصرخت صرخة الم لم تمنع المتغيرات، و كان في ذلك تشجيع للقوى الصاعدة بان تتقدم في احتلال مراكزها في الخريطة الدولية المستجدة، وبعد ان ثبتت المشهد في مجلس الامن بفيتو مزدوج آخر مارسته في شباط الماضي كانت القمة المفصلية بعده في نيودلهي في الايام الاخيرة من آذار الماضي 2012 لتكرس النجاحات بيان اقل ما فيه القول بان دول «بريكس» و هي الدول الخمس الصاعدة (برازيل، روسيا، الهند،الصين، جنوب افريقيا B BRAZIL – R RUSSA – I INDIA – C CHINA – S SOUTHRIC: AFRICA BRICS:) التي باتت تشكل جبهة دولية تنزع انياب الولايات المتحدة الاميريكية التي بها نهشت العالم و جاء بان بريكس ليكرس واقعا جديدا يقول:‏

1) ان مجلس الامن لم يعد اداة اميركا فهناك دولتان تملكان حق تعطيله بالفيتو، وهناك دولتان على الاقل يجب ان تدخلا وبعضوية دائمة عبر حركة اصلاح للامم المتحدة لا بد منها.‏

2) ان سياسة «التدخل الدولي الانساني» هي كذبة اميركية يجب التوقف عن اعمالها والعودة الى احترام السيادة الوطنية للدول، والامتناع عن التدخل في شؤونها الداخلية.‏

3) ان البنك الدولي يمارس سياسة قهر للشعوب والدول باشراف اميركي ويجب اصلاحه والا فان دول بريكس ستقيم منظومة اقراض وتنمية بينية ودولية تتخطى فيها هيمنة ذاك البنك.‏

4) ان الدولار الاميركي – كما اليورو - لا ينبغي ان يستمر سيفاً على اقتصاد الدول الصاعدة وتاليا اقتصاد العالم لذا ستعتمد العملة الوطنية لدول «بريكس» في التجارة البينية بينها.‏

5) ان التهديد بالقوة العسكرية باتت طريقه مقطوعة على خطين: داخلي بسبب القوة الذاتية للدول و الشعوب التي تمارس المقاومة و خارجي بسبب سقوط خدعة «التدخل الدولي الانساني».‏

6) وأخيراً فقد سقطت المقولات الاميريكية بالديمقراطية والارهاب بعد ان ضبطت اميركا في خندق واحد مع من تسميه «منظمات ارهابية» ثم تحالفها مع الكيانات الاقصائية الاستبدادية وتصديها للمطالب الاصلاحية الشعبية كما هو الحال في مشيخات ومملكات الخليج عامة وفي البحرين خاصة.‏

هذا ما اكدت عليه قمة «بريكس»، واطلقته في بيانها التاريخي الذي كرس واقع النظام العالمي الجديد الذي اصبح حقيقة قائمة، بعد ان ولد في الحضن السوري من رحم ازمة شاءتها اميركا حلاً لازمتها في الشرق وان تجعلها ازمة لسورية ولمحورها، فارتدت عليها كارثة ظهرت بنظام عالمي جديد متعدد القطبية اعلنت ولادته الرسمية في قمة بريكس في نيودلهي... القمة التي سيكون العالم بعدها مختلفاً كلياً عما قبلها.. قمة خاطبها الرئيس الذي ولد النظام العالمي على ارض بلاده سورية (سورية التي اخرجتها جماعة الاعراب من صفوفها لان عربانها لا يتحملون وجود الاقوياء بينهم) خاطبها بكلام الكبير للكبار قائلاً معاً في نظام عالمي جديد تفرضه قوتنا وشجاعتنا وارادتنا.‏

* أستاذ جامعي وباحث استراتيجي‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 أمين حطيط
أمين حطيط

القراءات: 1122
القراءات: 1761
القراءات: 1859
القراءات: 2086
القراءات: 2421
القراءات: 2463
القراءات: 2523
القراءات: 2512
القراءات: 2477
القراءات: 2979
القراءات: 3470
القراءات: 3081
القراءات: 3629
القراءات: 3464
القراءات: 3214
القراءات: 3781
القراءات: 3482
القراءات: 4504
القراءات: 4301
القراءات: 4679
القراءات: 4380
القراءات: 4283
القراءات: 4297
القراءات: 4701
القراءات: 5276

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية