لكن الأسبوع الماضي حمل الكثير من بشائر اليقظة تجاه العلاقة بين فن عابر لحدوده الضيقة وبين التزامه قضايا عامة وأحياناً خالدة لم يستطع الإنسان حتى تاريخه أن يغلق نافذة طرحها بإجابة شافية ونهائية..أعمال أكدت من جديد أن أجمل وأمتن الأنسجة تلك التي نحيكها من العام بلمسات الأنا المبدعة.
البداية كانت مع عرض المفتش الكبير لبيتر بروك, أحد أهم مخرجي المسرح في العالم, عمل أشبه بالمونودراما استطاع رغم حاجز اللغة أن يستحوذ على اهتمام الجمهور لأنه تصدى لإشكالية العلاقة بين يتم الفكرة النبيلة وهشاشتها أمام سطو المؤسسة التي حولت الرسالة إلى شعار أو سوط إن لم تخر الرعية للسجود فيستعاض عن الرسول بالصنم..يقوم العرض على مجابهة افتراضية بين مسيح يقوم من جديد وبين المؤسسة الكهنوتية, لكن أهمية العرض وكونيته تنبع من إمكانية انسحابه على كل التضادات السابقة واللاحقة بين المؤسس والمؤسسة.
بعد بيتر بروك حضر نصير شما واستطاع أن يجمع مليون ليرة هو ريع البطاقات المباعة دعما للاجئين العراقيين, وفي المبلغ إشارات لتقدير الناس لفن شما كما لمواقفه..اعتقد أن بالإمكان التثبت من هذه القراءة إذا ما قارنا الحضور الكثيف لحفل موسيقا نخبوية مع الحضور الباهت لعروض كان يفترض أن تكون جماهيرية لكن الجماهير أعرضت عنها لأن أسئلتها جزئية ومحايدة.
الحقيقة واحدة لكن بالإمكان الاستدلال عليها بالإيجاب كما بالسلب, ولعل في الوفاة الهادئة لجنكيز أيتماتوف ما يقدم الوجه السلبي لها, لقد اقتصرت الكتابات التي أبّنته على بضعة مقالات تنتمي إلى جيلي, الذي تشكلت الكثير من مفاتيح وعيه على روايات أيتماتوف النبيلة والشاعرية وكذا الناقدة في آن معا, أما وقد انقلب الكاتب من روائي يعنى بقضايا إنسانية شاملة إلى صوت قومية محددة فقد انكمشت دوائر الشغوفين والمعنيين بقراءة إنتاجه.
dianajabbour@yahoo.com