سياسياً للتغيير والتحديث في المجتمعات الإنسانية, لم تنج من السطو والتزييف والتفريغ باتجاه تحويلها إلى تقليعة أو موسم أو حتى عدوى تأخذ شكل الوباء أحياناً كما الحال مع «ربيع الثورات العربية» الراهن, ثم برمجتها بطريقة سينمائية ملحمية تقدم أثوابها وتزييناتها وألوانها وماكياجاتها للناس دون أن تقدم نفسها لهم أو تتقدم هي إليهم, ثم ليتحول الأمر برمته إلى لوحات من الكاريكاتور فيها من الهزل والسخرية أضعاف أضعاف ما فيها من الفكر والعمل, ما سيدفع الناس في نهاية الأمر إلى الكفر بالثورة والثوار!
أفليس من الهزل والسخرية أن يتململ الناس في مجتمع عربي, يتظاهرون ثم يثورون ويقتتلون ويدمرون مدنهم وتسيل دماؤهم غزيرة على يد بعضهم بعضاً بعد نجاح الثورة أكثر مما قبله, ثم تأتي إنجازات الثورة في صورة ثروة مباعة سلفاً لتسدد ثمن سلاح الثورة, وفي أقاليم تتوالى إعلانات استقلالها وفي قبائل وعشائر تتوالى اقتتالاتها وسيول دمائها .. وأيضا في إطلاق تعدد الزوجات وما ملكته الأيمان وحيث التعددية تعني الزوجات لا الأحزاب؟
أفليس من الهزل والسخرية مثلا أن تقوم ثورة على حجة قهر اجتماعي يعانيه مجتمع الثورة ودليلها أن بضع مئات من الشبان يركبون البحر وأهواله شهرياً مهاجرين غير شرعيين إلى شوارع أوروبا ومطابخها وسيارات القمامة المتجولة فيها.. ثم, وبعد أن تنجح الثورة تتضاعف أعداد المهاجرين إياهم وفي الاتجاه نفسه؟
أفليس من الهزل والسخرية أن تنقل الثورة ذاتها في مجتمع عربي ثالث السلطة من حزب إلى جماعة, من حليقي الذقون إلى طويلي اللحى, ومن ذوي الشارب إلى حليقيه, ومن رأس حاسر إلى آخر معمم, ودون أن تختلف الرؤوس ومحتوياتها سوى في جرعات التخلف والخديعة وأسمائها؟
أفليس من هزل الثورات العربية المستجدة وسخريتها أن تخلع من بوصلتها جان جاك روسو مثلاً وتثبت مكانه حمد بن خليفة, أو أن تنزع مونتسكيو وتلصق مكانه سعود الفيصل, أو تحرق مؤلفات ماركس ولينين وتمزق فلسفات هيغل وكانت وغيرهم, لتسترشد وتستنير بمقابلات حمد بن جاسم على شاشة الجزيرة أو على منبر الجامعة العربية؟
أفليس من هزال فكر الثورات العربية وسخرية الحداثة فيها, أن يرى عرب الجزيرة العربية في هيئات النهي عن المنكر والأمر بالمعروف بمطوعيها وسياطها برلمانات منتخبة لممارسة كل شيء ما عدا الحرية والديمقراطية.. وقيادة المرأة للسيارة؟ وهل الفرق عند عرب الجزيرة كبير إلى هذا الحد بين الدابة والسيارة .. أم إن الفرق بين المرأة والدابة ضئيل عند حكامهم ولا يكاد يرى؟
أفليس من هزال العرب جميعاً وسخريتهم المريرة أن يؤخذوا بمثل هذه اللوحات الكاريكاتورية, فلا يدركون الحقيقة حتى..؟