والدولة الوطنية على وجه الخصوص مع تحديد واضح لطبيعة تلك الأخطار ومصادرها وآثارها الكارثية على الجميع وسبل مواجهتها مع التأكيد أن مصدر تلك الأخطار هما الغرب الاستعماري والكيان الصهيوني انطلاقاً من حقيقة أن هذه المنطقة هي خزان العالم النفطي والروحي وأحد اهم اسواقه الاقتصادية وتصريف منتجاته ومشاريعه وتشكل أولوية قصوى في اجنداته لاستمرار سيطرته وتفوقه على المستوى الحضاري العالمي .
ومع التأكيد والقناعة بصوابية أغلب تلك التحليلات والقراءات وموضوعيتها آخذاً في الاعتبار الاستراتيجية الكونية وطبيعة وبنية اطراف الصراع والتنافس القائم بين القوى الكبرى, إلا أن ما يدعو للاستغراب ويضع المزيد من علامات التعجب والاستفهام التي قد تصل إلى درجة الاتهام أن تلك المخاوف والتحذيرات التي يتم الحديث عنها والإشارة اليها لم تجد آذاناً مصغية على المستوى السياسي العربي من راسمي وصانعي الاستراتيجيات في إطار الحديث عن أمن قومي عربي او أمن وطني على الاقل, ما جعل تلك الدراسات والقراءات غير ذي جدوى أو معنى على أهميتها وضرورتها في اطار صياغة ما يمكن أن نطلق عليه استراتيجيات مواجهة استباقية .
إن هذه المسألة تدفع إلى طاولة الحوار من جديد إشكالية العلاقة بين السياسي والثقافي ومستوى الثقة والحرص الحقيقي على المصلحة العامة في إطار نظرة كل منهما للآخر ,إضافة الى إعادة الجدل المتعلق بسؤال إشكالي آخر يتعلق بنظرة السياسي إلى الثقافي على أنه طامح في السلطة انطلاقاً من حقيقة أن الثقافي يسعى للتغيير والإصلاح, بينما يميل السياسي غالباً للاستقرار او الإصلاح البطيء والمتدرج بعيداً عن الهزات ..وهنا يطرح سؤال إشكالي آخر يتعلق بحقيقة أن الثقافي لا ينظر الى السلطة وإنما الى وظيفة الدولة ككيان سياسي وقانوني وصولاً للمجتمع الذي تتشكل منه الدولة اساساً؟.
لقد كان الخاسر الأكبر من تلك العلاقة السلبية وحالة الشك وعدم الثقة بين السياسي والثقافي هو المجتمعات العربية على مختلف مستوياتها لسبب بسيط يتمثل بحقيقة أن الفكر هو في جوهره منتج ثقافي اجتماعي يصب بالضرورة في خدمة المجتمعات وعملية التنمية الشاملة انطلاقاً من طبيعة العلاقة بين البنيتين الفوقية والتحتية وتأثيرهما المتبادل في مسار النمو العام وانعكاس ذلك ايجابياً في المجال العام الاقتصادي والثقافي والاجتماعي وصولاً للحالة السياسية .
إن الحديث عن هذه الاشكالية لا يعني أن السياسي هو بالضروة جاء من خارج النسق او السياق الفكري والثقافي
فثمة قادة مثقفون ومفكرون وأصحاب مشاريع حقيقية, ولكن حديثنا يتعلق بثقافة سائدة على المستوى السياسي العربي بشكل عام ولدت علاقة ملتبسة سمتها العامة الشك وانعدام الثقة الى درجة كبيرة ما جعل من مسألة إثارتها للنقاش العام أمراً غاية في الأهمية انطلاقا من حقيقة أننا نواجهة كدول وشعوب تحديات غير مسبوقة في إطار قضيتي التحدي الوجودي وتحدي الوجود للبنى السياسية القائمة في منطقتنا منذ أكثر من قرن مضى, والتي يدرك الجميع أنها اليوم تواجه خطر الضياع ليس على مستوى الجغرافية السياسية وإنما على مستوى الجغرافية السكانية والديموغرافية المشكلة لها تاريخياً .
إن تكامل الادوار بين السياسي والثقافي وإيجاد حالة من الثقة بينهما أصبح ضرورة تقتضيها المصلحة العامة وليس ترفاً سياسياً أو ثقافياً أو وجهةً نظر فالتحديات الهائلة التي تواجهها أوطاننا وامتنا تستدعي تشكيل جبهة سياسية ثقافية قادرة على المواجهة وتحقيق الانتصار الحاسم والنهائي على هذه الأخطار التي أصبحنا نجد لها مرتسمات على الواقع في أكثر من مكان ؟
khalaf.almuftah@gmail.com