كلمة معركة متأتية عن كثرة المسترئسين وتشعب علاقاتهم لدرجة سريان القول الشائع إن كل ماروني المولد في هذه الجمهورية هو مرشح رئاسي, وهذا لا يشي بأهلية المرشح ومؤهلاته بل بنزوعات الاسترئاس وحصريته في مكون طائفي من اللبنانيين.
لم تكن الرئاسة يوماً فعلاً لبنانياً صرفاً ,لا بل تداخلت في حصولها العلاقات الدولية والإقليمية ومراكز النفوذ والسفراء وربما ..القناصل, ومن يغفل هذه الحقيقة فإنما يتلطى خلف إصبعه أو يدفن رأسه في الرمال, والعودة إلى تاريخ الانتخابات الرئاسية منذ بشارة الخوري وحتى اليوم تثبت دور الخارج في فعل يفترض أن يكون سيادياً داخلياً.
الأمر الثاني هو دور البطريركية المارونية في الانتخابات الرئاسية , فلطالما لجأ أغلب المرشحين الرئاسيين والمسترئسين الموارنة بطريقة أو بأخرى إلى عتبة بكركي, فعلى عكس جميع كراسي أنطاكية البطريركية الأخرى تداخل مفهوم الكيان اللبناني بالموارنة وكرسيهم البطريركي ,ويبدو أن البطاركة الموارنة استمرؤوا عرابتهم لهذا الموقع السياسي , أو أنهم ومنذ البطريرك الجرجسي, أي قبل حوالي تسعمئة عام ونيف, يعتبرون أنفسهم بطريقة أو بأخرى مسؤولين عن مستقبل رعيتهم, ولكن هذا لا يعني أن جميع الرؤساء , وخاصة بعد وصولهم إلى سدّة الحكم بقوا على ودّ مع البطريركية ,لا بل اختلف بعضهم معها.
الأمر الثالث هو مجيء قادة الجيش إلى الرئاسة ,فمنذ أن فتح اللواء فؤاد شهاب هذا الباب راودت أخيلة قادة الجيش,وهم من الموارنة, أحلام الرئاسة, وهذا أمر ليس مستغرباً ,ما دام الجيش اللبناني هو حارس هذه الجمهورية, ومن يقوده يعلم بحكم الموقع خبايا ودهاليز البلد ومفاصله الأساسية.
الأمر الرابع أن جميع من وصل إلى كرسي الرئاسة ,ومدتها ست سنوات , حاول تمديد ولايته أو راودته هذه الفكرة عدا استثناء واحد ربما,ما يعني أن البنيان الدستوري غير صلب يضاف له الغطاء الديمقراطي الرقيق والهش.
هنا لا بد من الإشارة إلى أن الطوائف الأخرى كانت تحاول دائماً إيصال رئيس يقترب منها , لا بل إن عقدة طائفة الرئيس استحكمت بالراحل كمال جنبلاط على اعتبار أنه كان يعتبر أن مؤهلاته عابرة للطوائف في الوصول إلى الرئاسة.وبغض النظر عن الدور الذي لعبه رفيق الحريري في عهد الياس الهراوي , وموقف الرئيس إميل لحود الذي لم تستطع البطريركية أو الحريرية استقطابه , فإن معركة الرئاسة الحالية ,تدور حول الأمور الأربعة السابقة, مع ظاهرة أن موارنة الجهة الحاكمة في لبنان حالياً يستسهلون وصول رئيس برتبة باشكاتب عند وليد جنبلاط وسعد الحريري , وبين من يريد رئيساً متمتعاً بحقوق يكفلها له الدستور...ولذلك هي معركة مرّة أخرى..وللحديث صلة.
ghassanshami@gmail.com