تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


ذهب التاريخ ونحاسه

معاً على الطريق
الأثنين 15-12-2008
خالد الأشهب

كثيرون يقرؤون التاريخ , وبعضهم فحسب يكتبه ويدون مجرياته , وبين قراءة التاريخ وكتابته بون شاسع , ذلك أن من يشهد التاريخ ويعيشه غيره تماما من يقرأ التاريخ بعد حين ويحكم عليه , وبين قارىء ومدون ثمة من يدخل في زواريب الانحياز والتواطؤ وثمة من يبلغ آفاق العبرة والدرس القويم .

لم يجد المعلم الصيني بدا من أن يعيد تصحيح معنى الانحياز حين لم يتلق من تلامذته معنى صائبا ودقيقا له , فقال : الانحياز هو أن ينظر الناس الى الذهب في يد الفقير فيقولون لأنفسهم هذا نحاس , وأن ينظروا إلى النحاس في يد الغني فيقولون لأنفسهم هذا ذهب ولاشك !!‏

وعلى هذا البناء , ثمة الكثير من الذهب في التاريخ رآه مدونو التاريخ نحاسا , وثمة الكثير من النحاس رآه هؤلاء المدونين ذهبا , فهل يعني ذلك أن الذهب المطموس سيظل مطموسا على أنه نحاس , وأن زيف لمعان النحاس سيظل يضلل العيون أبدا, وان من كتب التاريخ ذهبا أو نحاسا هو من حسم المسألة نهائيا , وأن لا سبيل بعد ذلك أمام قراء التاريخ سوى أن يقرؤوا الذهب ذهبا والنحاس نحاسا ولو كان العكس هو الصحيح ؟؟‏

بالطبع لا , فالقراءة التاريخية لا تحكمها الأمزجة والأهواء طويلا , ولو كانت كذلك حقبة من الزمن , واستعادة التاريخ مقروءا لا يعني أبدا ذلك النموذج الببغائي من القراءة الذي يحفظ ولا يفهم والذي يسرد ولا يتمثل . ثمة قوانين تتضافر وتتكامل في تحسين القراءة التاريخية , بل في تصحيح هذه القراءة إذا كان ثمة لبس أو شك في موضوعيتها , قوانين طبيعة ونبات وحيوان وقوانين فيزياء وكيمياء ورياضيات , وقوانين اجتماع وفلسفة ونفس وغيرها , كلها جاهزة لتصويب ما اعوج من التاريخ المدون والمقروء , ولتسوية ماتقعر أو تحدب منه .. شرط أن يكون قارىء التاريخ جاهزا للحياد وعدم الانحياز المسبق على طريقة المعلم الصيني !!‏

فإن كان قارىء التاريخ عازما سلفا على الانحياز إلى أو التجني على ما يقرأ من التاريخ تحت وطأة العاطفة والهوى أو التربية والعادة , فإن كل قوانين الارض والسماء لن تصوب له رؤية أو قناعة , وإن كان عازما سلفا على الحياد وعدم الانحياز فمن السهولة أن يقرأ التاريخ صحيحا ولو كان مكتوبا بكلمات خطأ ؟‏

في تاريخنا وتراثنا الكثير الكثير من كتبة التاريخ , منهم من استخدم ماء الذهب في تدوين وتفسير أحداث من نحاس , ومنهم من لم يتوفر لديه ماء الذهب فكتب بالطين أحداثا من ذهب , المهم أننا اليوم وبكثير من الحياد الاعمى والانحياز الفج , نقرأ التاريخ ونستعيد أحداثه والدروس , فما كان منه ذهبا زدناه صقلا ولمعانا , وما كان منه نحاسا صدئا أعدنا صقله مرات ومرات ومسحناه بالأحماض والملمعات ليغدو كما لو أنه الذهب .. لماذا ؟‏

لأننا لم نعد نملك أن نصنع التاريخ كما نهوى ونحب , ولأننا لم نعد نملك سوى الماضي , ولو كان كثيره نحاسا لامعا , ملاذا من غضبة الحاضر !؟‏

تعليقات الزوار

أيمن الدالاتي - الوطن العربي |  dalatione@hotmail.com | 15/12/2008 09:14

أنا بمحاولة فردية إنما عقلانية متأنية قرأت التاريخ بعيدا عن تأثير العاطفة والنقل, فقرأت ولم أطالع وعقلت ولم أنقل , والنتيجة التي وصلت لها أن أغلب التراث المعلن والمتداول من نحاس وربما من خردة أيضا, ووجدت غيابا عربيا وإسلاميا فاضحا ومستورا عن جواهر تاريخنا العربي والإسلامي. وإني أشكر كاتب المقال فقد انتبه لماغفل عنه كثيرون.

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 خالد الأشهب
خالد الأشهب

القراءات: 2200
القراءات: 2101
القراءات: 2523
القراءات: 2479
القراءات: 2255
القراءات: 2622
القراءات: 2567
القراءات: 2504
القراءات: 2273
القراءات: 2596
القراءات: 2808
القراءات: 2700
القراءات: 2402
القراءات: 2861
القراءات: 2929
القراءات: 3011
القراءات: 2793
القراءات: 3170
القراءات: 3120
القراءات: 3226
القراءات: 2623
القراءات: 3093
القراءات: 3578
القراءات: 3341
القراءات: 3398

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية