وقد سمعها أصدقاؤها قبل خصومها، في رسالة تعني حلفاءها قبل أعدائها.
الرسالة الأميركية تحمل في مضمونها أبعد بكثير من إعلان موقف الانحياز المعتاد الذي لم يكن مفاجئا، وقد بررت العدوان الإسرائيلي قبل ان تجد إسرائيل الذريعة الكافية لتسويقه، خصوصا في المكان والزمان.. في التوقيت والطريقة.. في الأسلوب والمفهوم
ما يستدعي التوقف عنده ملياً ليس الرسالة بمضمونها فقط ولا التعابير الأميركية الخارجة للتو من قاموس الصقيع المحيط بالوضع العربي بعد أن دخلته مفردات غير معهودة، وإنما أيضا لغة التجبر الأميركية التي جاءت لتعيد بوصلة الحسابات لدى البعض حول الموقف الأميركي إلى مكانها المعهود ولإزالة ما لحق به من التباس .
فالأعراب التي قدمت كفالتها المسبقة بالتغيير الأميركي، مصدومة اليوم على حد زعمها .. متفاجئة ولو لم تنطق ببنت شفة .. ومدهوشة حتى لو لعقت ما سبق أن تفوهت به.
صدمة الأعراب هذه الأيام لم تتوقف عند هذا الحد، وهي المذهولة من المفاجآت غير المحسوبة التي توالت من غزة تباعا، حين قدمت دروسا في تغيير المعادلات وتبديل الحسابات والاحتكام في نهاية المطاف إلى الإرادات التي نسيت تلك الأعراب وجودها منذ زمن بعيد.
ما يثير ان هذه الأعراب التي اصطفت منذ اللحظة الأولى لتكون وسيطا غير نزيه بين المقاومة والاحتلال، ولم تجرؤ أن تعلن هدنتها الموعودة ولم تتلق الرد الإسرائيلي حتى حضر العراب الأميركي ممثلا بكلنتون، لتضع بصماتها عليه كي يكون ممكنا ومتاحا، وكي تكون اللمسات الأميركية عرفانا من الأعراب ذاتهم بأن لا خروج على الطاعة ولا تصيد في غير المساحة التي تسمح بها مواقعهم كأدوات تقف وتتحرك وفقا لأمر العمليات.
لم يكن مسموحا للأعراب في الماضي ان تكون في غير هذا الموقع، وهي اليوم تقف في الحيز ذاته، حتى لو بدلت بعض جلودها أو كلها، وحتى لو أضافت المزيد من الأدوات والمرتزقة ومتصيدي الفرص إلى صفوفها، حيث في المنطق الأميركي لا فرق بين من كان سابقا ومن أضيف بعد الصقيع العربي، لأنها في النهاية منتج أميركي بمباركة إسرائيلية ولا يصح للمنتج أن يكون أبعد مما يسمح به من ينتجه!!
هكذا استفاضت زعيمة الدبلوماسية الأميركية في شرح ما يجوز، وفي تفسير ما هو مسموح، ولم يكن صعبا قراءة كل ذلك منذ اللحظة التي ذهبت فيه الأعراب لتكون ذلك الوسيط «المنحاز» في نهاية المطاف للعراب الأميركي، بين المقاومة والمعتدي الإسرائيلي، وقد جاءها الإيعاز الأميركي مسبقا وجاءتها حدود المسموح والممنوع ووصلتها السقوف.
سيتذكر من بقي من العرب فصول التراكض العربي والغربي لهدنة تخدم الاحتلال وسيتذكرون حينها أي قاع أوصلتهم إليه الأعراب ، لكنهم سيذكرون ما قالته غزة بعد أن تضع جانبا كل وزر حساباتهم، وقد ضربت عرض الحائط بكل ما وضعوه في حسبانهم وبكل ما أنتجوه في الماضي والحاضر وما جهزوا به للمستقبل.
فقد قالت غزة: إن أميركا لم تتغير، وقالت كذلك ما رأته في «صخر» الموقف الأميركي ، وقالت أيضا: إن الاحتلال هو الاحتلال والعدوان، وقالت أيضا إن الأعراب هي الأعراب في الربيع كما هي في الخريف والصيف والشتاء، لكن قبل هذا وذاك قالت: إن المقاومة لها فجرها الذي تصنعه إرادة تولد كل يوم، حتى لو طال الزمن، وحين تقول لا بد أن يسمعوها.
a.ka667@yahoo.com