إن لم ترجح كفة الجديد منها على القديم وإن لم يتوصل إلى طريقة أخرى للتفكير تفك أسره وتحرره من سطوتها!
والعقل الديني ذو التراكم المعرفي الديني خاصة هو أشد العقول عبودية لمكوناته، إذ عليه أن يؤمن أولاً، أي يستسلم للإيمان، ثم يفكر . وهو لا يكون دينياً أصلاً إن لم يؤمن ويستسلم أولاً، وبمعنى أن التفكير المجرد لا يعود حاجة ماسة بالنسبة إليه، بل ترف غير ضروري أو حتى غير مبرر، إلى أن يصطدم هذا العقل بالحقائق الخارجية الماثلة أمامه.. . ولأنه أسير مكوناته فإنه يعجز عن مباشرة هذه الحقائق ونقاشها، فتراه يذهب إلى الاحتيال والدوران في طلبها ومحاولة نيلها خلسة ودون أن يغير من تموضعه العقلي!!
في مقابلة تلفزيونية مع مفتي مصر السابق علي جمعة قبل أيام، تحدث الرجل عن نسب الملكة إليزابيث ملكة بريطانيا قائلا : «إنها تنحدر من أسرة النبي محمد ، ولكن جدها اضطر لاعتناق المسيحية « ؟
وتابع جمعة القول : «جد الملكة كان من آل هاشم، من آل النبي يعني، فكيف لم تصبح الملكة (إليزابيث) مسلمة؟ لأن جدها ترك الإسلام بسبب الضغط والقهر كما جرى مع المسلمين المورسكيين في إسبانيا.. كنا نتعرض للضرب من الشرق والغرب.. والفقه الذي قيل في ذلك الوقت كان سببه هذا الضرب «؟؟
أياً كان السبب وراء ورود هذه الأسطورة على لسان رجل بهذا الحجم، إلا أنها تكشف تماماً عن عقل ديني يحس بالعجز الكامل.. أولاً في إقناع الآخرين بنفسه ومكوناته، وثانياً في نحت مشروعه الحضاري الخاص الذي يحمل هويته الثقافية، ودون أن يعترف بهذا العجز أبداً . لذا تراه يحاول عبثاً إعادة مشاريع الآخرين الحضارية فينسبها لنفسه غمزاً ولمزاً.. فلا هو لديه من القرائن والدلائل ما يثبت هذا النسب.. ولا نسب في هذا الأمر، ولا الآخرون لديهم منها ما ينفون النسب إياه به تماماً، وهذا بالطبع طراز ما من التنويم المغناطيسي الذي يستهدف رفع معنويات أتباع هذا العقل وأنصاره ومن يحملون عقولاً مثله!
مثل هذا التنويم داهم الكثيرين من العرب يوم انتخب باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة، باعتباره الابن الحقيقي للمهاجر الكيني المسلم إلى أميركا حسين أوباما، وثمة من العرب من توهم يومها أن الرئيس أوباما ما إن يستقر في البيت الأبيض.. حتى يركل إسرائيل بقدمه ويحتضن العرب والمسلمين ويقدم لهم المن والسلوى الأميركية.. فانظروا ما فعل أوباما بالعرب والمسلمين إذاً؟
ورغم كراهية المفتي السابق إياه لجماعة الإخوان المسلمين واستطالاتها وتفرعاتها السياسية، إلا أنه يحمل العقل الديني ذاته.. الجاهز للتوفيق والتلفيق والترقيع والتلوين دائماً في مسيرته للبحث عن خلاصه!
مشكلتنا المجتمعية والتاريخية ليست في «خيانة وارتداد « الملكة إليزابيت أو الرئيس أوباما أو غيرهما، بل هي في خيانتنا نحن للمنطق وفلسفة العقل!!