لنعترف ان الهم المعاشي اصبح الشغل والهم الاساسيين اللذين يحددان معظم الحوارات, ويصبغان اللقاءات العامة والخاصة بشكل ضاغط, ولنعترف بالمقابل ان الحكومة تدخلت بصورة ايجابية لاعادة كثير من التوازن الى السوق الاستهلاكية, وخاصة ما يلامس حياة الناس المباشرة واحتياجاتهم من الخضراوات والفواكه واللحوم والزيوت اضافة الى السكر والرز والوقود المدعوم اساسا .
ولكن هذا التدخل يبقى دون حد القبول, ولم يحظ برضا المواطنين في أي وقت من الاوقات, والسبب باعتقادي بسيط جدا, إذ ان المطالب ستبقى في ازدياد دائم, طالما كان هناك تغيرات مستجدة تترك تأثيراتها وانعكاساتها الكبيرة في السلوك الاستهلاكي بشكل لافت
وهذا التغير في السلوك الاستهلاكي ليس حكرا على المجتمع السوري, انما هو حالة عالمية تشكل تحديا حقيقيا لجميع الحكومات بغض النظر عن شكل الاقتصاد السائد فيها .
وقد يكون السبب الابرز خلف هذا الارتفاع هو حالة الجنون التي رفعت سعر برميل النفط الى اكثر من مئة دولار وما زال الامر مرشحا للازدياد في ظل تزايد الطلب على الطاقة في العالم, ولا سيما الصين الداخلة سريعا في الانتاج الصناعي الذي يحتاج مزيدا من موارد الطاقة .
وامام الحاجة المتزايدة للطاقة تستمر الجهود للبحث عن بدائل النفط المهددة بالنضوب من جهة وذات الاسعار العالية والمكلفة من جهة ثانية وهذا الامر دفع كبريات الدول المستهلكة للطاقة لاستهلاك كميات كبيرة من محاصيل الذرة ومحاصيل زراعية اخرى للاستفادة منها في تحويلها الى طاقة حيوية بديلة واستخدامها في توليد الكهرباء بصورة اساسية, وهو ما ادى في النهاية الى ارتفاع كبير في اسعار جميع المحاصيل الزراعية الاساسية كالقمح والذرة وقصب السكر وغيرها من الحبوب.
ومازال الامرمرشحا للزيادة في ظل الارتفاع الكبير لاسعار النفط, وهذه العوامل والمؤثرات القت بظلالها القائمة على مجمل الاسعار, فعشنا ظروفا ضاغطة لم نقو على التخلص من جشع المضاربين الذين استفادوا من هبوط وتراجع سعر صرف الدولار في فترة سابقة , ولم يقدموا خطوة ايجابية تحد من تأثير الأسعار على حياة المواطن فيما تبقى إجراءات المؤسسة العامة للخزن تمثل الخطوة الايجابية الوحيدة لضبط آليات السوق وتحقيق التوازن في حدود الممكن...