وتوجعك أصوات نسوة عجزن عن حماية أطفالهن من رصاص طائش اخترق مباشرة رأسهم أو صدرهم، يوغل فيك الألم إلى حيث لا تحتمل.
يوغل فيك الألم وأنت تسمع الأمين العام للأمم المتحدة وهو يقول إنه لم يعد من الممكن احتمال هذا الكم من الضحايا في غزة، وقرار مجلس الأمن يدفن مع أول صاروخ ينفجر في غزة بعد صدوره، وكأنه فقط رقم يضاف إلى قائمة لا تنتهي من القرارات الدولية التي لم تنفذ.
رقم متعب من ملاحقة متغيراته، مثل عدادات الموت التي تحصي عدد الشهداء في غزة، وتتسابق مع الفضائيات ووكالات الأنباء لتصحيح رقم هنا أو رقم هناك، ولتحصي في النهاية كل يوم عشرات ومئات أخرى تضاف إلى القائمة، والحبل على الجرار ينطلق مع كل صباح ولا يقف مع المغيب.
لا تكاد ذاكرتنا العربية تنسى مأساة حتى تلاحقها أخرى، ولا يكاد جيل ينسى ما واجهه الجيل الذي سبقه، وما عاناه، حتى تطالعنا إسرائيل بمجزرة أخرى تعيد تثبيت ما كدنا ننساه، وتضيف إلى معاناتنا مأساة جديدة.
ستون عاما والمجازر المتنقلة تغير في العنوان فقط، فيما المضمون لا يتبدل إلا في أرقام الضحايا وأماكن وجودهم، ملامحهم هي ذاتها انتماؤهم ذاته وذنبهم واحد وهم أمام شهوة القتل الإسرائيلي أرقام فقط.
كل هذه المشاهد التي باتت غير محتملة لأمين عام الأمم المتحدة عبر صورة تلفزيونية على العرب أن يتحملوها، وعلى أهل غزة أن يعيشوها، وعلى المسؤولين العرب حين يناقشون ما يجري أن ينسوها ليفكروا بعقلانية ومسؤولية !!
في قمة غزة التي احتضنتها الدوحة لم يكن بمقدور القادة الذين حضروها أن ينسوها، بل كان لا بد أن يرتسم في ذاكرتهم وذاكرة الشعوب التي يمثلونها شريطا طويلا وغير متناه من مذابح ومجازر إسرائيل على مدى ستين عاما ونيف.
في قمة غزة وكما قالها السيد الرئيس بشار الأسد فإن إسرائيل لا تريد منا أن ننسى، و«تصر على تذكيرنا بحقيقتها»، حقيقة تحضر ونحن نواجه كل يوم مشاهد القتل المتنقل الذي لم يشبع شهوته للدم على مدى ستين عاما ولا يزال يبحث عن المزيد كل صباح.
لذلك وكما أوضحها السيد الرئيس « سنبقى نتذكر ، والأهم من ذلك هو أننا سنحرص على أن يتذكر أبناؤنا أيضا سنخبئ لهم صور أطفال غزة وجروحهم المفتوحة ودماءهم النازفة فوق ألعابهم، وسنخبرهم عن الشهداء والثكالى والأرامل والمعاقين»
ذاكرتنا لم تدمن الصور كما توهم البعض، ولم تدمن مشاهد الموت المتنقل، وما لم يعد يحتمل الآخرون أن يروه عبر صورة تلفزيونية هل تساءلوا كيف يمكن لأطفال غزة أن يحيوه .. أن يعيشوه كل لحظة ؟ وكيف للشعب العربي أن يطويه من ذاكرته ؟!
سؤال برسم الذاكرة الإنسانية برسم الضمير العالمي وبرسم أولئك المتخندقين خلف شعارات الحق والعدالة !!