فليس من الصعب إدراك وتلمس خطوط التقاطع وحجم التباينات التي أوصلت العلاقات الروسية - التركية أكثر من مرة إلى ذروة التصعيد.. وإنْ شهدت في فترات متعاقبة ملامح تهدئة متفقاً عليها، فإنها في المناخ الدولي والمشهد القائم في العلاقات الدولية تنطوي على محاذير عديدة تفرض نفسها، بعد أن وصلت الأمور بتفاصيلها المختلفة إلى نقطة تتطلب حسماً لمسائل لا تحتمل التأويل في تفسيراتها، وإن كانت حمالة أوجه في الرسائل التي تخطها في الجوانب المتباينة التي يتم تظهيرها على حياء.
الواضح.. أن تدهور الموقف بين الأميركي والتركي وتقلباته يفرض واقعاً لا يمكن تخطيه، ومن المنطقي أن يكون حاضراً في إرهاصات النتائج المبكرة لزيارة الرئيس بوتين، خصوصاً بعد أن شعرت تركيا بأن البساط الأميركي لم يعد ممدوداً كما جرت العادة، وأن مساحة التفاهم على الأدوار الوظيفية في المنطقة قد تقلصت إلى أدنى مستوياتها، وربما إلى الأسوأ في تاريخها الحديث على الأقل.
وإذا كان البعض يقرأ فيها فرصة كي تخرج تركيا من المستنقع الآسن، فإن الحقيقة المرة أن أردوغان وحكومته أوصلا الأمور إلى درك سيكون من الصعب على روسيا أو غيرها التخفيف من بؤر الاصطدام المتحركة في كثير من الاتجاهات التي قد تصلح بوابات لانتشال تركيا، ولاسيما مع كم هائل من المغالطات والأخطاء المتراكمة التي يصر أردوغان على المضي بها، حيث يمارس سياسة نعامة في رمال متحركة، دفعت وستدفع بأغلب شركائه السابقين واللاحقين إلى خصومة، تصل في أغلب جزئياتها إلى عداوة بائنة!!
والحال لا يختلف في سياق المنحى الإضافي لحماقة أردوغان وطاقمه الحكومي بصيغته الجديدة، حيث يعيد رسم مشاهد من التهور، التي قد تدفع بتركيا إلى الهاوية بعد أن وصلت مرات إلى حافتها، وهي مرشحة للانزلاق أبعد من ذلك في إطار مقارباتها لتطورات المنطقة، التي تغوص في أوحالها، تحديداً علاقتها بالتنظيمات الإرهابية ودورها المباشر أو اللوجستي في تفشيها وانتشارها على نطاق أوسع، وتقاطع غرف عمليات الإرهابيين مع أجندات السياسة التركية لتكون مقراً رئيسياً للكثير منها بما في ذلك داعش وما يليها.
لا أحد يخفى عليه، أن الزيارة المقررة بروتوكولياً أضافت عليها التطورات الأخيرة جزءاً أخطر بكثير مما كان متوافراً بالأصل في الظروف العادية فيما لو أنها تمت في وقت سابق أو لاحق، ولا يغيب عن الذهن الروسي ولا التركي أيضاً جذر المعضلة في الخلاف المتفاقم مع تركيا بكل تشظياته القائمة على مفهوم التموضع السياسي في جبهة المواجهة بين الغرب والشرق، ويتعمق الخلاف إلى حدود التصادم في الموقف مما يجري من تطورات، تحديداً في الجوار التركي..
بين التصعيد والتهدئة تبدو المعادلة الروسية الرائجة اليوم أن روسيا بمقدورها أن تقدم لتركيا خشبة الخلاص وأن تجهز لها أطقم من طوق النجاة، بل تستطيع أن تحضر لها ممر عبور آمن إلى ضفة مغايرة، ويبقى السؤال هل تركيا مستعدة لإنقاذ نفسها، وهل يملك أردوغان إرادة للنجاة أم إن حماقته وتهوره تدفعانه نحو الهاوية، بسرعة لا تتيح للكوابح الروسية وقتاً كافياً للحيلولة دون الانزلاق أبعد؟!!
سؤال يصعب على الزيارة الحالية أن تقدم إجابة حقيقية وشافية له حتى لو توافرت المعطيات بذلك، أو أشارت النيات والمصالح إلى ضرورته، حيث تبقى الأمور مرهونة بخواتيمها وبمدى قدرة تركيا على الانعتاق مما راكمته أخطاء أردوغان وخياراته الخاطئة تجاه المنطقة، حيث التورط في دعم الإرهاب والتعلق بأوهام الأمجاد الغابرة يسد المنافذ أمام أي أفق يمكن أن تفتحه الزيارة، خصوصاً بعد رد الرئيس بوتين الجازم بخطأ القراءات التركية!!
a.ka667@yahoo.com