| إشـعال الحرائـق وإطفـــاء الســـــلام الافتتاحية لو وظّفت الجهود التي تبذل اليوم لمعالجة ذيول استمرار الاحتلال وحالة الحرب المستمرة، للوصول إلى السلام على مدى نحو عشرين عاماً «منذ مؤتمر مدريد» لكنا نعيش السلام أو نراه حقيقة قادمة. جهود تبذل لإيقاف الاعتداءات.. أخرى لمعالجة آثار التدمير والخراب من جوانب مختلفة. تعامل مع خروقات تقع على حقوق الإنسان وتسيئ للحياة البشرية؟ صرخة عالمية لإنهاء الحصارات والتوقف عن معاقبة المدنيين بشكل جماعي.. بيانات وأصوات تطالب بوقف الاستيطان. هذه القضايا وغيرها ولكل منها أكثر من تابع... ونحن لا نواجه أصل الحكاية «الاحتلال والسلام». لنأخذ مثالاً مرة أخرى من الاعتداء على أسطول الحرية. لقد فجر هذا الاعتداء لحظة إنسانية تاريخية أظهرت رفض ما جرى من قبل العالم كله.. وكانت المطالبة بصوت واحد «رفع الحصار عن غزة»، لكون حصار غزة هو السبب فيما جرى. ما الذي يجري الآن؟! كان يمكن أن نتخيل لو صحّت النيّات والعزائم من الولايات المتحدة خصوصاً والغرب عموماً، بل ودول العالم الكبرى كلها، وحصار غزة انموذجاً, أن يتوسع الأفق السياسي المسالم الباحث عن الأمن والاستقرار في العالم فيقول: ليس الحصار وحده.. بل هو الاحتلال والاحتفاظ بأرض الغير..ورفض القرارات الدولية.. ورفض ما وصلت إليه محادثات السلام.. وفي النهاية رفض السلام كله.. هنا أصل الداء الذي سبب كل ما تلاه.. إن معاناة الشرق الأوسط الراهنة الساخنة بكاملها ناجمة عن الاحتلال الإسرائيلي والإصرار على الاستمرار في رفض السلام.. والانفتاح على آفاقه العريضة. عوضاً عن ذلك.. يعني عوضاً عن التوسع في أفق الرد الحاسم على الجريمة النكراء «التي جرت على أسطول الحرية» ومعالجة المسألة من جذورها، والانتقال من العمل على رفع الحصار عن غزة إلى المطالبة بإقامة السلام وإنهاء الاحتلال.. يبذل الجهد اليوم.. وهو جهد مضن لن يوصل إلى نتيجة.. لتمرير حالة تلاعب غبية عوضاً عن الرفع الكامل للحصار. حتى رفع الحصار بمحدوديته أمام مسألة السلام بطبيعتها العريضة.. جاؤوا مجتهدين يريدون تحديده مرة أخرى بأن يكون مشروطاً بالعديد من القيود التي قد تفرغه من أي محتوى.. هكذا تقزَّم مهمة السيناتور ميتشل صاحب الخبرة الدبلوماسية، وما نقل عنه من جرأة سياسية، تقزَّم مهمته من مسعى يمثل فيه الدولة العظمى الراعية لعملية السلام، يهدف إلى فتح جدي دقيق وسريع لبوابات السلام.. إلى محاولة تمرير صفقة بائسة بغاية التحايل على الإرادة الدولية الراهنة برفع الحصار عن قطاع غزة. منذ تسعينيات القرن الماضي وربما قبل ذلك.. ربما منذ حرب تشرين 1973 وربما قبل ذلك.. وحتى اليوم لم يمر السلام بمرحلة أكثر بؤساً وتراجعاً مما هو عليه الآن. وكي يواجه السلام شبه الضربة القاضية الفنية.. كانت الحكومة الإسرائيلية القائمة اليوم.. حكومة إشعال حرائق.
|
|