ومن يتذكر هذه وتلك يستطيع بسهولة أن يكتشف أن الثانية منهما مستنسخة عن الأولى وطبق الأصل, وكما لو أن الأشخاص والوجوه والألسنة في النسختين تتحرك بالريموت كونترول!
ما أثارني في النسختين إياهما هو الانحطاط وتلك الوضاعة الأخلاقية التي تميز, كما يبدو, المعارضات العربية الناشئة عرضاً على حواف ما يسمى الربيع العربي أو ما قبله, والتي لا ترقى في أي حال من الأحوال إلى ذلك المستوى السياسي والأخلاقي الذي ينبغي للمعارضة أن تكون عليه في معاركها السياسية, والذي عرفناه من خلال تجارب الثورات والشعوب في غير مكان من العالم, أو قرأنا عنه في أدبيات المعارضات العالمية المختلفة وفي سجلاتها التجريبية ويومياتها, ولا أقصد هنا سيول الاتهامات التي رشقتها رموز المعارضة اللبنانية في تلك اللحظات المتماثلة يمنة ويسرة.. فهذا شأن آخر سياسي له مكان آخر في موضع آخر, بل أقصد القول بالضبط, إن شأن المعارضات السياسية العربية التي تولد خديجة في غير زمانها ومكانها تأخذ قطعاً منحى منحرفاً في كل شيء سوى الادعاء بتسمية نفسها معارضة.
وفي أزمتنا السورية الراهنة, ولدى من يقدمون أنفسهم معارضة سورية في الخارج شيء كثير أيضاً من هذا القبيل, لا يقل انحطاطاً ووضاعة عما لدى المعارضة اللبنانية الراهنة سواء من الكذب المبهر أو السلوك اللا أخلاقي لرموز المعارضة وشخوصها في التعبير عن أهدافهم وثقافاتهم وبرامجهم السياسية وأدبياتهم الهزيلة وحواراتهم الوضيعة.. وهم الذين يقدمون أنفسهم بدائل محتملة ينبغي أن تسعى للاستحواذ على أفئدة الناس وعواطفهم قبل عقولهم.. وإلا فكيف يفكرون في استقطاب هؤلاء الناس وانتصارهم لقضاياهم السياسية إذا كان القرف هو ما يثيرونه أولاً لدى هؤلاء الناس؟! ومثل هذا يحدث أيضاً في ليبيا وتونس ومصر وغيرها من الدول والمجتمعات العربية التي هبت رياح المعارضة الصفراء عليها.
دليل آخر على أن المعارضة ليست موقفاً سياسياً فحسب, بل هي بنية أخلاقية أولاً, ومن يبحث عن تمثل الأنموذج الأوروبي أو الغربي عموماً في المعارضة السياسية, عليه أن يتمثل الأنموذج كاملاً وليس مجتزأً ومحرفاً ومهشماً, فالمعارضة أخلاق سامية والأخلاق ثقافة والثقافة وعي والوعي كل متكامل غير انتقائي.. والزمن العربي الراهن أعجز من أن ينتج سلسلة كهذه في ما نراه من وقائع فوق الجغرافية العربية وإلا.. فكيف لبدوي خليجي تأسره الغرائز فقط أن يرشو.. فيغدو رائداً في أصول الممارسة الديمقراطية؟؟