وحتى الآن تبدو المسألة عادية فالجاسوسية الإسرائيلية في البلدان العربية ليست حديثة العهد وتاريخها يعود إلى الزمن الذي استزرع فيه ذلك الكيان ولكن الغريب في الحدث المصري أن ذلك الجاسوس كان من أكثر الناشطين في الثورة المصرية وأن العديد من الصور قد التقطت له وهو يحرض الشباب على الثورة لا بل إن إحداها يصوره وهو يعتلي أحد منابر المساجد ويحث المصلين على العنف وصولاً لإسقاط النظام ، وفي مشهد اخر يرفع لافتة كتب عليها :(أوباما أيها الغبي إنها ثورة كبرياء وليست ثورة غذاء) الجاسوس المشار إليه كان يتكلم اللغة العربية بطلاقة ويدين بديانتين ويظهر- كما أشارت لذلك الصحف المصرية-تمسكاً قوياً بالدين بل إنه تلقى تربية دينية شديدة ليستطيع التأثير أكثر في الوسط الشبابي المسلم.
قصة الجاسوس الإسرائيلي والوظيفة أو الدور الذي أنيط به يطرح العديد من الأسئلة الخطيرة التي يجب ألا تغيب عن بال أحد، خاصة أولئك الذين يصرون نفي قصة المؤامرة عن الأحداث التي تشهدها بعض الدول العربية تحت عناوين الإصلاح والثورة وغيرها، فالواضح أن هناك اختراقاً واضحاً لها من قوى كبرى سواء عبر الدعم السياسي واللوجستي والإعلامي أو بوسائل اخرى إن العصابات المسلحة والتنظيمات المرتبطة بقوى خارجية والتي تصر على الفعل التحريضي ومحاولة إثارة الفتن الطائفية بين أبناء الشعب الواحد، وهو ما نلاحظه بشكل جلي فيما يجري في سورية من أعمال قتل وتخريب للمنشآت واستغلال لدور العبادة بهدف إعطاء بعد ديني ومذهبي لما يجري هو الدليل الحي على ذلك ويصب مباشرة في خدمة الكيان الصهيوني والغرب الاستعماري عموماً والذي عمل ويعمل منذ أمد طويل لإدخال شعوب المنطقة في أتون محرقة دينية ومذهبية يذهب ضحية لها الوطن والمواطن.
إن إلقاء القبض على الجاسوس الإسرائيلي يعني فيما يعنيه أن هنالك العديد من نظرائه الذين لم يلق القبض عليهم بعد وهم بالتأكيد بأعداد كبيرة وموزعون في أكثر من مكان ولهم أكثر من قناع ، فإلقاء القبض على مجرم لا ينفي حقيقة أن هناك الكثير ممن لازالوا طلقاء ويعملون في أكثر من ساحة والعالم كله يعلم جيداً أن الموساد الإسرائيلي يسرح ويمرح في أوروبا وأميركا والكثير من بلدان العالم الأخرى بل يجد الدعم والإسناد من مؤسسات رسمية فيها وتوفر له كل عوامل النجاح.
وهنا تستدعي الذاكرة ما جرى للقادة الفلسطينيين وغيرهم من العلماء والقادة الذين اغتيلوا في تونس وباريس ودبي وبيروت وقبرص ولندن وغيرها من بلدان، حيث تزدحم مدنها بآلاف الفارين من العدالة والمعارضين السياسيين واللاجئين لأسباب أخرى و تتوفر بيئة مناسبة وملائمة لتجنيد ضعاف النفوس والانتماء منهم ليكونوا أدوات رخيصة في الإساءة لبلدانهم وأهليهم .
قصة الجاسوس الإسرائيلي ليست قصة عادية ويجب ألا تمر هكذا، إنها تحتاج لمزيد من تسليط الضوء عليها من قبل جميع وسائل الإعلام نظراً لخطورتها ودلالاتها وما تمثله من دور للعدو الصهيوني في التحريض و استثمار ما يجري من حراك شعبي وتوظيفه لخدمة أهدافه العدوانية والتخريبية والفتنوية وقدرته على اختراق بعض القوى والتنظيمات بأساليب خطيرة مدعاة لمزيد من الحذر والتوجس واليقظة لما يخبئه القادم من الأيام
.
khalaf.almuftah@gmail.com