وفي ثنايا مسرحيات شكسبير نشم تواريخ بعض مدن الشرق العربي التي كانت تضاهي مثيلاتها في غير مكان من العالم.
لكن مآثرنا الغافية في التاريخ لم تتمتع بديمومة البقاء, كزهرة ثقافية عبق أريجها يوما في قلب تلك الثقافة، إذ سرعان ما دشن بعض المستشرقين مرحلة جديدة في نقل انطباعاتهم عن «الشرق الساحر» المليئة بالغرائبية وفبركة الخيال، الذي يشذ كثيرا عن السياقات الواقعية السائدة.
في كتاب صدر مؤخرا «التصورات الجنسية عن الشرق الأوسط..البريطانيون والفرنسيون والعرب» يستعرض مؤلفه, المؤرخ البريطاني ديريك هوبود، كيف ان الأوصاف الحسية والمغامرات الغرامية وغرائبيتها أسست لمخيلة شعبية غربية, تختزن الشرق كمكان للمغامرات بامتياز.
وعمليات الزج تلك لم تأت بعد غربلة يقتضيها الإنصاف وإحقاق الحق، بل تم نشرها على إنها حقيقة اجتماعية.
انطباعاتهم السابقة، التي التقطوها كسلوكيات فردية لاأكثر, شطحوا بها بعيدا، لضمان رواجها وتسويقها، ولذلك تم تداولها على نطاق واسع، وشكلت عند الكثيرين, من أبناء الثقافات المختلفة شرفات عالية للإطلالة علينا وفهم أحوالنا.
الآن الغرب في معظمه لم يزل ينظر إلينا بعدسات أجداده المستشرقين، ونحن إما نفط ومصالح، أو كتل بشرية, فقدت سحرها, فغدت متخلفة لاتستحق التنعم بالحياة.
الكتاب، يرصد غواية الشرق لأصحاب الخيالات الخصبة, لكنه يرصد بالمقابل ان الهمجية ليست سرا من أسرار الإنسان البدائي، بل هي تقترب من ان تكون سلوكا عاما عند الانكليز والفرنسيين, مستعمرو الأمس و«أباطرة الديمقراطية» الجدد وتونس أيام زمان والجزائر ومصر شهود.