ما هي الدوافع والخلفيات التي أعادت هذه اللغة إلى الخطاب التركي؟!
التفسيرات التي يدرج الكثيرون على تقديمها، تصلح في صيغتها الحالية، مع كل المواقف السياسية الضالعة في الأزمة، لأنها استنتاجية دون أن تتمعن في الخصوصية التركية التي تحكم الموقف أولاً، ودون الانتباه إلى تفاصيل الرؤية التي تضبط حكومة أردوغان بالتحديد ثانياً.
في البداية، ذهب أردوغان ووزير خارجيته بحكومته إلى تقمص دور الناطق باسم الأزمة ومحاورها واتجاهاتها، وفي بعض الأحيان، بدت المبالغة الواضحة وكأنها العنوان الجديد لتلك الأزمة تحت ذرائع اشتقت من مفاهيم الزعامة المستحدثة للدور التركي في المنطقة.
واللافت طبعاً، أنها أتت بعد التجربة الليبية، التي ترددت حكومة أردوغان في بدايتها، ثم سرعان ما ركبت الموجة ووصلت في بعض المراحل إلى أخذ دور الربان، ونجحت على الأقل، في إظهار شراكتها الودودة للناتو وقطر إلى حدود التحالف.
لذلك، سارعت حكومة أردوغان قبل غيرها، إلى تزعم الموجة الجديدة حيال سورية، وقادتها شبه منفردة اعتماداً على تنسيق خفي مع قطر - وإن لم تطل سريته -.. وبعثت برسائلها في كل الاتجاهات مدمغة أحياناً بتطمأنات وصلت حد الغرور في تحكمها بمجرى الأمور، وصولاً إلى انتزاع ما يشبه التفويض الغربي لها، وبالطبع العربي وتحديداً الخليجي.
المفارقة، أن كل ما حققته على هذا المستوى في تزعم الموجة، كان مبنياً على وعود وتصريحات ومواقف تعكس حالة من الوهم، حتى اضطرت بعد أشهر قليلة الى الإفصاح عن عجزها، لتفسح المجال أمام بروز دور مشيخات الخليج وتحديداً قطر التي ورطتهم في توسيع بنك الأهداف، وطفت على السطح بشكل فجّ ومستهجن، فجاء الدور القطري وكأنه مقتطعٌ من السياق الذي بدا مولوداً مسخاً ومشوهاً.
واستحدثت حكومة اردوغان قنوات دعم للقطري من خلال تأثيرها على الأمين العام للجامعة العربية وصولاً إلى استنهاض الهمة السعودية، وتحت المظلة الأميركية التي آثرت عدم الظهور المباشر في قلب الأزمة، فيما كانت المواقف الأوروبية أكثر انسجاماً مع المسعى التركي.
وحتى تؤكد الغباء الخليجي، كانت تركيا تبتعد عن الواجهة مستندة إلى هوس قطري بالظهور وتصدر المشهد وتكريس حالة من التفرد القطري- السعودي، لكنه سرعان ما اندفع خارج السياق المحدد له فهدد بتقويض الحملة من أساسها خصوصاً بعد طروحات مشيخات الخليج تسليح المعارضة بما تعكسه، من مراهقة سياسية، لدى سلالاتها الحاكمة..
فالغرب الذي نأى بنفسه عن طلب تسليح المعارضة عجز عن إفهام تلك السلالات رسالته للحيلولة دون الانزلاق إلى ما هو أخطر من ذلك!!
هنا بدأت حكومة أردوغان تستعيد مفرداتها بناء على أمر العمليات الأميركي والغربي مقابل تراجع، وأحياناً ما يشبه الصمت، لدى قطر والسعودية، في محاولة لإعادة ضبط الإيقاع، ومحادثات أردوغان وأوباما شاهد على السقوف الجديدة التي لم تجاهر بالحديث عن التسليح.
لكن السؤال الجوهري.. لماذا قبلت حكومة أردوغان بذلك رغم يقينها بأنها مقامرة خطيرة، وقد تكون المغامرة الأخيرة ؟! بل لماذا صعدت إعلامياً وعملياً؟!
العارفون ببواطن التشكيلة داخل حكومة أردوغان، يتحدثون عن المسار الموازي الذي تفرع أو نبت على هامش الأزمة وتفاقم مع الأخطاء الجسيمة التي ارتكبتها هذه الحكومة داخلياً وخارجياً، فعادت أحلام الزعامة للمنطقة، رغم يقينها بأنها أقرب إلى أضغاث أحلام، بل عملية هروب من الأزمات الطاحنة في داخلها إلى الأمام!!
وفيما تبدو أنها فرصتها الأخيرة لإعادة دغدغة هذه الزعامة، مدفوعة ببعض ما تتوهمه من ركائز داعمة لها في تونس وليبيا وحتى مصر، تندفع حكومة أردوغان وهي مدركة بأن الطلقة الأخيرة في جعبتها منتهية الصلاحية، بحكم تقادم الأحداث، وحين تفقد الطلقة صلاحيتها فإن الإصرار على استخدامها مراراً وتكراراً غالباً ما يؤدي إلى انفجارها بيد صاحبها، وأولى مؤشرات انفجارها.. فشلُها في توحيد ما ادعته عن المعارضة، وعجزها عن لم شمل مرتزقتها في الجوف الاستنبولي..!!
والانفجار النهائي، قد يكون داخل القاعة التي يلتئم حول طاولتها أعداء الشعب السوري في استنبول.. وما علينا سوى الانتظار!!
a-k-67@maktoob.com