لا اعرف ما يشي به لكنه قرار خطير للغاية ..تحزم الام بقجة من الثياب ...ينظران إلينا بحنان ....عناق الاب لم يكن مألوفا لنا هكذا.
يمضي ملوحا ثمة امر ما لابد انه جعل الاب يمضي في سفر طويل ،مضى شهران ونيف كان الطقس صيفا حين عاد وقد سبقته إلى البيت الكثير من اللوازم والأدوات المنزلية.
توافد الجيران للتهنئة والسلام ودار الكلام عن فلان وفلان لقد طالت غيبتهم في لبنان...اذن كان الاب في لبنان عمل هناك كما الكثيرون...
ظلت الأسئلة معلقة ..لماذا لبنان وكيف ...لم تجد إجابات الا حين كانت مجالس شجر التوت تعقد صيفا ويجتمع رجال القرية يسردون الوقائع وحين يتدخل أحدنا بسؤال ما يكون الجواب:انتم محظوظون تعيشون بنعمة كبيرة..يعلق آخر منهم:هل اكلتم خبز البلوط هل ذقتم خبز الشعير؟
يكمل من هو الأكبر كانت فرنسا تنتظر مواسم القمح حتى تصبح جاهزة وترسل من يحرقها ...لاشيء من الزاد الا ان تكون كل أسرة يا بني قد خزنت بعضا من ثمار البلوط تعمل على عجنه وخبزه.
..المهم ان يسد فراغا ،أن يملأ مساحة في معدة خاوية.
وحين يصل فيما بعد إلى مرحلة خبز الشعير وهو للمحظوظين يكون الفرح كبيرا ويصبح حديث القرية كلها :فلان أمن خبز شعير ...
وبعد تسألون :لماذا انتم محظوظون كل شيء عندكم لم تعرفوا عطش الصيف ولا برد الشتاء لم تكن الكهوف ملاجئ تهربون إليها يوم تحاصر الطرقات من جنود فرنسا.
هل جربتم السير حفاة وعرفتم كيف تتيبس الاقدام ويعرى الجسد ..من كان ينتعل حذاء من بقايا الدواليب فهذا السعيد
..اما الكاز وغيره فلم يكن ..الإنارة من روث الحيوانات بعد أن ييبس ....ومن يملك حطبا فهو ايضا من ....
يعبر ذلك في الخاطر كله ونحن نعيش بقايا أحقاد الغرب علينا ...الادوات لم تتغير الغاية واحدة...ربما نحن تغيرنا قليلا وأصبحنا اقل صبرا والبعض لا يهمه الا الصخب الإعلامي...لكننا نزداد يقينا أن جذورنا لا تموت لا تييبس ،والمحن تصقلنا تعيد الجوهر...
لكن حذار فألف متربص يعرف كيف ومن أين يتسلل ،تجاوزنا الكثير الكثير ،ومسألة النهاية من هذا الواقع ليست بعيدة..انه الوطن ...وكل ما فيه غال مقدس ولكن انبله الانسان السوري، فلنكن يدا بيد بلسمه واقعا وعملا ومصارحة وقدرة على اجتراح الحلول، لنكن كما حكومات الأمهات في تدبير أمور منازلهن.
وكما بقي البلوط صديق السنديان والإنسان السوري سنبقى كما غاباتنا نعرف كيف نجود بكل ما عندنا وصحيح أن الإنسان ليس بالخبز وحده يحيا، لكن الاصح أن اليد باليد تصنع كل خبز الحياة من بلوط أو شعير وقمح ، فلنتقاسم رغيفنا أيا كان من اجل غدنا.