تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


وراقو دمشق

معا على الطريق
الجمعة 6-12-2019
ديب علي حسن

في الذاكرة تلك الأيام التي لم يمض عليها أكثر من ثلاثين عاما ونيفا، في دمشق وشوارعها، وكل ركن ستجد مكتبة ما، سبقتك شهرتها قبل رؤيتها على أرض الواقع، تدخر القليل من نقودك وما أقلها لتشتري كتابا ما،

كنت تحلم أن يبقى في مكتبتك بعيدا عن الاستعارة التي لا أحبها، ولا أومن بها، ولنا معها قصص وحكايا طريفة قد تروى ذات يوم، تبحث عن مكتبة النوري، فلا تضيع لأنها علامة فارقة، الجميع يعرفونها أكثر من أي مطعم أو ملهى، تغذ السير إليها، تجد ما تريد، ربما يكون ما معك كافيا، أو ينقص قليلا.‏

يرشدك أحدهم إلى رصيف الحلبوني، عشرات الوراقين يصفون الكتب بشكل آسر وساحر، تختار ما تريد، السعر أقل كثيرا من المكتبات التي قصدتها، آخرون كثيرون يشكلون حلقات حديث مع أصحاب مكتبات الرصيف، يوما تلو الآخر تتعرف عليهم، هذا صلاح صلوحة، وذاك أبو مؤيد، وأبو طلال، واسماعيل، وآخرون كثيرون، تدهشك ثقافتهم الواسعة والثرة، لايبوحون باسمائهم الحقيقية إلا لمن تتوطد عرى الصداقة معهم.‏

هذا روائي، وذاك شاعر، وآخر ..ليسوا إذاً باعة عاديين أبدا، مهمومون بالأدب والثقافة، ولكل منهم مشروعه ورؤاه التي يعمل عليها، يصيبه الإحباط تارة، وتارة أخرى يمضي بهمة وعزيمة، يهمس لك أنه يرى المشهد الثقافي محتضرا إذا ما بقي على هذه الحال، تساومه على بضع ليرات من ثمن الكتاب القديم، أو الجديد، أحيانا كثيرة يقول لك: على مهلك عندما تتوافر معك النقود ادفع.‏

أبو مؤيد الوراق الغالي، مازال يصل المكان السادسة صباحا، ليبقى إلى الحادية عشرة ومن ثم يتجه عائدا، يبقى في المكان أبو طلال ومعه آخرون، وهاهو أبو طلال يرحل تاركا مساحة كبيرة من الفراغ كما تركها من قبله أبو مازن، وصلاح صلوحة، الذي اقترحت عليه يوما ما منذ فترة عشر سنوات (صلوحة) أن يكتب زاوية في جريدتنا تحت عنوان: الوراق، واستمر بكتابتها لفترة من الزمن، روى طرائف ومواقف من حيوات الكتاب والمثقفين علاقاته معهم، وكانت ثرة وغنية، لو أتيح له أن يدونها لكنا حصلنا على كنز من التفاصيل الجميلة.‏

منذ عقد من الزمن بدأ القحط يصيب أرصفة دمشق ومكتباتها، هاهي مكتبة ميسلون تغلق أبوابها إلى غير رجعة، ومكتبة اليقظة العربية، وغيرهما من المكتبات، حلت المطاعم مكانها، الكل يريد الثراء السريع، وأكشاك بيع منشورات اتحاد الكتاب العرب أغلقت أيضا، واليوم لن تجد إلا أكشاك العلكة والمتة ونفايا الصناعات الكهربائية المستوردة خصيا لنا، كل رمز جمالي تآكل وتهرأ.‏

الوراقون أيضا حل بهم ما أصابنا جميعا، نقل المكان، ولكن للأمانة أن المحافظة أعطتهم مساحة ما تحت جسر السيد الرئيس، هناك كنت ستجد أبا طلال ليحدثك ويناقشك، قد تحمل كتابا ما، وتقول له على مسمع الجميع(بعدين أبو طلال) يبتسم، نعم طيب، ولن تنسى أبا مؤيد بكتبه التراثية والمخبوءات من الكتب التي تحمل الاهداءات، زمن جميل، تسقط أوراقه واحدة تلو الأخرى، آه لو أن محافظة دمشق تقيم فوق فرع بردى الذي لوثته النفايات سوقا للكتاب القديم بمظهر حضاري، كم دعونا لهذا، ولكن الكتاب آخر اهتمامهم.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 ديب علي حسن
ديب علي حسن

القراءات: 752
القراءات: 756
القراءات: 783
القراءات: 671
القراءات: 687
القراءات: 771
القراءات: 836
القراءات: 780
القراءات: 652
القراءات: 852
القراءات: 754
القراءات: 730
القراءات: 719
القراءات: 738
القراءات: 720
القراءات: 672
القراءات: 834
القراءات: 693
القراءات: 766
القراءات: 741
القراءات: 809
القراءات: 777
القراءات: 799
القراءات: 720
القراءات: 765

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية