وما زلنا ننتظر أيام العتق من النار, وخاصة نار الأسعار التي ألهبت جيوب المواطنين الذين يستمرون بدفع ثمن قوتهم بأسعار فاقت كل توقع, والتي لم ولن تجد من يلجمها أو يحدّ من تغوّلها بأفواه المستهلكين, ورغم كل الإرهاصات التي أفرزتها أزمة الدولار المفتعلة, لا يزال التعامل بالليرة السورية سيد الموقف, حيث استعادت اعتبارها أمام سعر صرف الدولار في السوق المحلية, بعد إن أرخى ذلك بظلاله القاتمة على أسعار المواد والسلع لدى المستهلك, وخاصة في الآونة الأخيرة التي وصل فيها سعر الصرف إلى ما يزيد على 300 ليرة سورية للدولار الواحد, ورغم أن هذا السعر لم يستمر لأكثر من ساعات محدودة, إلا أن معظم التجار إن لم نقل جميعهم قام بإعادة تسعير مواده والسلع المكدسة بمستودعاته, على أساس هذا السعر المرتفع, والبعض الآخر توقف عن البيع بحجج واهية, وهكذا حلقت الأسعار إلى درجة غير مقبولة ولا منطقية, مع انفلات كبير بأسعار السلع بالسوق, ورغم أن الدولار راح يتقهقر أمام الليرة السورية وعاد خلال أيام قليلة ليخسر أكثر من مئة ليرة من السعر المتداول, إلا أن ذلك لم ينعكس فعلياً على أسعار السلع, ومن خلال متابعتنا لواقع حركة البيع والشراء بأسواقنا المركزية, وجدنا ان بعض تلك المواد قد طرأ تعديل خجول على أسعارها, والبعض الآخر منها طنّش أصحابه أو تجاهلوا الأمر ليستمروا بالبيع بالسعر المرتفع بعيداً عن آثار انخفاض الدولار المحتوم وأيضاً عن كل أنواع الرقابة ...!
هذا الواقع الاقتصادي الجديد أفرز هياكل هلامية تتحرك تبعاً لنمط وطبيعة المصلحة الخاصة التي تقودها, واتضح أن الأزمة قد خرّجت وصنّعت أثرياء جدد كانوا لسنوات طويلة وربما لعقود على الهامش, وفجأة تحول هؤلاء إلى أصحاب لرؤوس أموال طائلة, وباتوا يدخلون بصفقات معلنة وربما غير معلنة, فالتاجر الذي أغلق على مستودعاته المكتنزة راح يتحكم برقاب العباد والبلاد, من خلال تحديد وتجديد قيمة فاتورته وأيضا أسعار البيع للمستهلك, بعيداً عن أي خشية من هيئة مكافحة الإغراق والاحتكار, أو حتى دون خجل أو وجل من أي جهة رقابية أو غيرها, ومع استشراء الفساد المعلن لدى هذه الشريحة, التي أثرت على حسابنا جميعا وما زالت ...!
ذلك كله يحتم علينا محاسبة هؤلاء وردعهم بكل قوة, لان العصا من الجنة كما يقال وان بعض تجار السوق وخاصة ما يعرف بتجار الأزمة قد تمادوا كثيرا, على حقوق كل مواطن لا بل فقد سرقوا قوت يومه بأساليبهم الرخيصة بهدف تحقيق أرباحهم الخيالية التي جمعوها خلال أشهر الأزمة القصيرة الماضية ...! هؤلاء ومن يدور في فلكهم أثبتت الوقائع أنهم لا يريدون للأزمة أن تنتهي, ولا يعرفون سبيلاً للعيش بعيداً عن خلق الأزمات وافتعالها, لأنهم كالطفيليات التي لا تتكاثر إلا بالأوساط الموبوءة وعلى حساب الآخرين, وإلا ماذا نفسر عندما تصرف الكثير من تجار السوق ممن يملاؤون شاحناتهم كل صباح ويزودون سائقيهم بقوائم وأسعار المواد التي لم تستورد يوماً بسعر يزيد عن السعر المعلن من المصرف المركزي وهو السعر المدعوم أساساً من الحكومة ...! ليفرضوا على باعة المفرق ونصف الجملة السعر الذي يريدون محققين بذلك أرباحاً خيالية وكله على حساب المواطن الذي يتحمل وما زال يدفع الثمن, هذا الواقع بات مألوفاً في كل مدينة وقرية وحي صغر حجمه أم كبر, لهؤلاء نقول ونذكرهم أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة مؤخراً بشأن تطبيق العقوبات الرادعة بحق كل من يخالف القوانين والأنظمة النافذة ويستغل المواطن عبر بيعه المواد بأسعار مضاعفة، أو لكل من يثبت احتكاره للمواد والتلاعب بقوت المواطن، هؤلاء جميعاً نؤكد أنهم باتوا اليوم بدون ضمائر ويتصرفون وكان ضمائرهم قد ماتت وينطبق عليهم قول الشاعر : قد أسمعت لو ناديت حياً ....لكن لا حياة لمن تنادي ...... ونحن بانتظار أشد العقوبات بحق هؤلاء وأيضاً بفارغ الصبر للسلة الغذائية التي سترمم الكثير من الفجوات التي أحدثتها الأزمة بحياة الكثير من المواطنين...!
ameer-sb@hotmail.com