هو التوحش الرأسمالي الذي يجعل دولة عظمى كالولايات المتحدة الأميركية، يلتف حولها ويتحالف معها الكثير من الدول والحكام في أربع جهات الأرض انسجاماً أو ولاء أو نفاقاً سياسياً، تسمي أقرب هؤلاء الحلفاء إليها باسم «الأعداء»، وفق ما كشفت عنه الأوراق والوثائق التي نشرها ادوارد جوزيف سنودن المستشار في وكالة الأمن القومي الأمريكية السابق والمنشق الهارب في روسيا حالياً، ووفق الصدمة التي فتحت فاه المستشارة الألمانية على آخره حين علمت بتوصيف شعبها وبلادها، كما الشعوب والبلدان الأوروبية الأخرى، في العقل الرأسمالي السياسي الأميركي، وبالتالي في الوثائق الأميركية المتداولة سراً بين أخاديد هذا العقل ومنحنياته.. وأتساءل هنا : ترى أي تسمية إذاً يطلقها هذا العقل على العرب حين يتداول أمرهم سراً وفي الوثائق.. إذا كان يحتقرهم علانية ؟
هذا جانب أخلاقي، أراه هو الأهم، في ما تداعت إليه فضيحة التجسس الأميركية التي كشفها سنودن قبل أن يطلق ساقيه للريح، إلى جانب الأسرار والمخططات التي باتت مفضوحة، وكذلك الحريات العامة والفردية وقد باتت مهدورة في بلد يدعي الصلاة قياماً وقعوداً عند مذبح الحرية وحقوق الإنسان، بل ويشن الحروب ويقتل البشر ويدمر البلدان تحت عناوينها!
حضور العقل البشري يعني بالضرورة حضور منظومة أخلاقية تتفاوت سمواً.. لكنها في النهاية مرتبطة مباشرة بهذا العقل، إذ لا منظومات أخلاقية لدى الحيوانات، وحده العقل البشري تعرف إلى الأخلاق بمعناها الفلسفي من حقوق وواجبات ومسؤوليات، تعلمها.. عمل على هديها لأنه بشري ولأنه أراد أن يتميز بها بوصفه إنساناً ومخلوقاً عاقلاً، فإذا توحش هذا العقل ارتد إلى الحيوانية وانحط أخلاقياً والعكس صحيح.. ورأسمالية أميركا اليوم بلغت التوحش والافتراس فانحطت أخلاقياً!
لكن السؤال الأهم.. إذا كان الأميركيون أنفسهم يداخلهم الشك والريبة في ما تنحو إدارة بلادهم نحوه، والأوروبيون مثلهم مصدومون وعلى طريقة المستشارة ميركل.. فلماذا يراوح الكثير من العرب حتى اليوم في هامش الحلم الأميركي الوردي.. هامش الحرية وحقوق الإنسان المحفوظة، وهم يعلمون أن أميركا تتسلل حتى إلى مخادعهم وحجرات نومهم؟
رأسمالية أميركا بلغت ذروة توحشها، وانحطاطها الأخلاقي بلغ حضيضه، فأي نوع من الإفلاس أعلنته المدينة الصناعية الأميركية الكبرى ديترويت قبل أيام؟