فما بين هذه الأعياد المتزامنة هذا العام أصدرت وزارة الحرب الإسرائيلية وبموافقة أولمرت قراراً بالترخيص لبناء مستوطنة جديدة في غور الأردن بالضفة الغربية يعتبر الأول منذ العام 1992 كما وصفته (حركة السلام الإسرائيلية الآن), ليعقبه في اليوم التالي صدور أمر بتوقيع أولمرت شخصياً إلى الجيش الإسرائيلي باستئناف شن الهجمات ضد من وصفهم بالمجموعات الفلسطينية التي تطلق الصواريخ من منطقة غزة.
وفي مغزى هذين القرارين ودلالاتهما, لانجد أكثر من القول إنهما يشكلان تعبيراً حياً عن نزعة الأطماع الصهيونية في الأرض العربية والفلسطينية, وعن الطابع العنصري المستحكم في تفكير القادة الإسرائيليين وسلوكهم على اختلاف منابتهم الحزبية والفكرية , وكذلك عن السياسة الرافضة للسلام التي شكلت أحد أهم الثوابت الاستراتيجية في سياسة إسرائيل وتعاطي حكامها مع قضايا الصراع وعملية السلام التي توقفت وتعطلت وفقدت مبررات إحيائها وانطلاقها من جديد بسبب هذه النزعة المركبة للأطماع والعنصرية ورفض السلام.
وأغرب ما في هذين القرارين هو تبريراتهما الواهية, إذ أسند الأول إلى التزام قطعه وزير الحرب السابق شاؤول موفاز على نفسه العام الفائت لإيواء سكان المستوطنات التي تم إخلاؤها في قطاع غزة تنفيذاً لخطة شارون بالانسحاب أحادي الجانب, فيما أسند الثاني إلى استهداف مطلقي الصواريخ على المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية.
وقاحة مابعدها وقاحة , أن يلتزم مسؤول إسرائيلي أمام حفنة من المستوطنين بوعد ما على حساب شعب آخر, ثم ينفذ هذا الالتزام على حساب هذا الشعب وأرضه وحقوقه التاريخية فيها.
ومثل هذه الوقاحة أيضاً, أن يصدر أولمرت أمراً عسكرياً بالعدوان على الفلسطينيين تحت ذريعة ضرب مطلقي الصواريخ .. وعلى ماذا..? على مستوطنات أقيمت فوق أراضي الفلسطينيين بقوة السلاح وسياسة التهجير بالإرهاب...!
أولمرت مهزوم استراتيجياً في حربه الأخيرة على لبنان, ومأزوم سياساً أمام صمود الشعب الفلسطيني في وجه سياساته الظالمة وخصوصاً منها الحصار ومحاولات تفجير الداخل الفلسطيني اليائسة.
ولكي يلتف على هزيمته وأزمته , ويتفادى استحقاقات الجهود الدولية المتصاعدة للسلام كخيار وحيد يعيد الاستقرار للمنطقة, هرب إلى الاستيطان ونهج العدوان, على أمل أن يمكنه ذلك من تحويل أنظار الإسرائيليين عن فشله إلى قضايا أخرى, وتعطيل جهود إحياء عملية السلام من جديد, ليستطيع من بعد أن يدعي بأنه ليس أقل صهيونية وولاء لإيديولوجية القتل العنصري والتوسع من كل سابقيه من رؤساء الحكومات, وأن على الذين أكثروا من انتقاده التوقف عن هذا الانتقاد وإبداء الرضى عنه.