ولا عند وجهات النظر القابلة للتأويل أو النقاش . غير أن ما يحدث في سورية اليوم ليس ثورة شعبية وفق أي مقياس من مقاييس الثورة سواء بالتجربة التاريخية أو بأدبيات الفكر السياسي واجتهاداته , ولا هو سطوة نظام كامل القوة والنفوذ لا يرد ولا سبيل إلى هزيمته كالقدر المحتوم , بل هو خليط ملتبس لجملة إرادات متناقضة سورية وإقليمية ودولية , يتداخل فيها الكثير من النفاق والدجل السياسي بكثير من التضليل والإعماء الإعلامي وبأكثر من هذا وذاك من العنف الدموي غير المبرر .. اللهم إلا لتبرير أهداف غير معلنة .
فلو كانت الأطياف السياسية السورية التي تقدم نفسها في هيئة معارضة .. لو كانت تمثل ثورة شعبية حقيقية لما احتاجت اللجوء إلى السلاح والعنف والجريمة , خاصة في ظل دعوة صريحة من جانب الدولة السورية إلى الحوار , ولكان للحوار أولا ولصناديق الانتخابات ثانيا أن تحسم الموقف لصالحها , لكن هذه الأطياف تفتقر إلى الشارع الجماهيري مثلما تفتقر إلى المشروع السياسي , ولأنها تدرك هذه الحقيقة جيدا في سريرتها ترفض الحوار وتصر على الاستئصال بما يتعارض مع منطق الثورة من جهة ومع منطق الديمقراطية الذي تدعيه من الجهة الثانية , ولأنها عاجزة هنا أيضا فإنها ترتمي في حضن كل من له غاية أو هدف من أطراف خارجية عربية أو إقليمية أو دولية .
والمحصلة المؤكدة هنا أن هذه الأطياف المتعددة والمتناقضة لا تمثل أحدا من السوريين سوى رموزها ومتزعميها , والذين بدورهم, ومن أجل الوصول إلى غاياتهم الملتبسة وغير المعلنة , تحولوا إلى موظفين لدى الأحضان الخارجية التي تؤويهم وتدعمهم وتمولهم وتسلح مرتزقتهم المتقاطرين إلى سورية من أربع جهات الأرض , ثم لتتعدد ولاءاتها وتختلف أطماعها وتتوه دروبها إلى صناعة الثورة مثلما تاهت إلى وحدة جبهتها , فيما ملايين السوريين يدفعون الثمن!