تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


المنفى المزدوج

رؤية
الأربعاء 8-8-2012
سوزان إبراهيم

صحيح أن عنوان زاويتي هذا مأخوذ من عنوان كتاب نقدي لـ «غاريث غريفتس», حيث يتناول فيه المنفى المكاني واللغوي, لكنني أنظر هنا إلى المنفى المزدوج من زاوية أخرى: المنفى داخل النفس وداخل الوطن.

حين لا تستطيع مغادرة نفسك لتطل على الحياة الحقيقية للناس في الشارع, وحين تنظّر علينا من برجك أو من خلف أسوارك, أو من وراء قناعات مثالية, فأنت تعيش بيننا في منفى قد يكون أبعد مما لو كنت في آخر نقطة في العالم!‏

ثمة من نسي وجه مدينته لطول غياب عنها, وهو فيها, وقد ينطبق عليه قول أورهان باموق في رائعته - اسمي أحمر - «إن الإنسان لابد أن ينسى الوجه الذي لم يره مهما كان يحبه» والمفارقة هنا أنه يرسم للمدينة وجهاً آخر!‏

قد يعيش الكاتب حالة المنفى حتى داخل اللغة, لأنه باحث دائم عن موطن آخر لوجع مجتمعه ووطنه, ولكن لماذا يشعر الناس هذه الآونة بالاغتراب داخل الوطن؟!‏

أليس موجِعاً وممزِقاً أن يتحول الوطن إلى أوطان! والمكان إلى أمكنة! والمدينة إلى مدن! والشارع إلى شوارع! أليس الإحساس بالمنفى والغربة هنا أشد قسوة من ضياعٍ بين شاطئين متباعدين, ولا جسر عبور بينهما!‏

«كان طموحي الأعظم هو ألا أترك للموت شيئاً يأخذه... لا شيء إلا القليل من العظام»! هكذا قال كازانتزاكي, فلماذا نترك للموت كل ما نملك من رصيد الحياة, وكيف لأحد أن يستولي على نصيبي من الحياة قبل أن أتمكن من صرفه والاستمتاع به! كيف يتحول بعضنا إلى ذلك الرجل الشبحي الطويل الأسود الذي يحمل بيده منجلاً ضخماً يحصد به الأرواح التي لم تستنفد حصتها من الحياة بعد!‏

ثمة من يجبرك اليوم على النكوص إلى منفاك الداخلي, قبل منفاك المكاني حتى لو كنت بين أبناء الهوية الواحدة, وعلى أرض الوطن الواحد.‏

suzan_ib@yahoo.com

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 سوزان ابراهيم
سوزان ابراهيم

القراءات: 1480
القراءات: 1415
القراءات: 1644
القراءات: 1557
القراءات: 1633
القراءات: 2032
القراءات: 1446
القراءات: 1567
القراءات: 1543
القراءات: 1613
القراءات: 1539
القراءات: 1658
القراءات: 1611
القراءات: 1554
القراءات: 1619
القراءات: 1655
القراءات: 1629
القراءات: 1666
القراءات: 1666
القراءات: 1615
القراءات: 1639
القراءات: 1680
القراءات: 1697
القراءات: 1708
القراءات: 1662

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية