وهنا تكمن معالم المرارة والألم والقهر الاقتصادي ولكني سأحاول أن أجد تفسيراً لهذه الجملة المختزلة المعبرة عن واقع الحال.
فالنقود لا تحمل قيمة بذاتها بل باعتمادها واقرارها من قبل الآخرين وهي وقود التجارة لذلك نسأل ماذا لو فقد ( معيار القبول) بسبب عامل ( التضخم الجامح مثلاً) الناجم عن زيادة الكتلة النقدية عن الكتلة السلعية والاستمرار في طباعة النقود وخاصة الدولار فماذا سيحصل لكل الاحتياطات العربية من الدولارات؟! وهذا يمكن أن يحصل من جراء الازمة المالية العالمية الحالية وقد ذكر كل من الاقتصاديين الاميركيين ( سلام ويلسون ونورد هاوس) في كتابهما- علم الاقتصاد الصادر عن مكتبة لبنان- ناشرون 2006 الصفحة 707 لأنه بعد الحرب العالمية الأولى وتحديداً في عام 1922 أي قبل أزمة الاقتصاد الكبيرة بسبع سنوات وفي ولاية ( منجار الألمانية) حيث قامت الحكومة الالمانية باطلاق العنان للمزيد من طباعة النقود دون أي ضوابط اقتصادية كما يحصل الآن في الولايات المتحدة الأميريكة. وهذا أدى الى زيادة ( المعروض النقدي) عن ( قيمة الانتاج المقابل) فارتفعت الاسعار ارتفاعاً فلكياً وارتفع مؤشر السعر من ( 1) الى (10) مليارات أي من (1) الى (10.000.000.000) و نتيجة ذلك أن الشخص.
الذي كان يمتلك 300 مليون مارك في عام 1922 لم يكن قادراً على شراء قطعة حلوى واحدة.
ونحن هنا نسأل من يضمن لنا عدم ضياع قيمة النقود التي تمتلكها البنوك العربية في الداخل والخارج اذا ما أرادت أميركا التخلص من كتلتها الدولارية المنسابة في الخارج والمقدرة كحد أدنى بأكثر من 200 تريليون دولار وكحد أعلى 500 تريليون أي لو أخذناها بالحد الأدنى تعادل أكثر من ثلاثة اضعاف الانتاج العالمي المقدر بـ 60 تريليون دولار.
أما تحقيق الامن الغذائي العربي فهو قيمة بحد ذاته ويكون سياج أمن ضد تداعيات الازمات الخارجية. وخاصة أننا نلمح في الافق الاقتصادي العالمي معالم ( أزمة غذائية ) تأتي بعد ( أزمة مالية عالمية) انفجرت بشكل مباشر في 15/9/2008 ومعالم تفعيلها في وطننا العربي موجودة وبقوة حيث إن المنطقة العربية وحسب التقرير الاقتصادي العربي الذي يصدر عن الامانة العامة لجامعة الدول العربية وغيرها من المؤسسات العربية اعتبرت أن منطقتنا هي أكبر ( منطقة عجز غذائية في العالم) وأن أكثر من 80 مليون عربي لا يحصلون على الغذاء المناسب ويتشكلون بحدود 25٪ من سكان الوطن العربي وبأن الفجوة الغذائية تزداد من يوم الى آخر وهي الآن بحدود 28 مليار دولار ويمكن أن ترتفع الى 70 مليار دولار عام 2030 وبأننا لا نحقق الاكتفاء الذاتي أي ( النسبة بين الانتاج من الغذاء والطلب الكلي عليه) وعلى سبيل المثال ( الحبوب 56٪-سكر 36٪- ألبان 71٪-زيوت نباتية 25٪ - فاكهة 69٪..الخ) اضافة الى أن سكان الوطن العربي يزدادون بمعدلات سكانية عالية وأن أرضهم الزراعية تتعرض للتصحر وانجراف التربة علماً أن مساحة الارض العربية الصالحة للزراعة تشكل فقط 11٪ من مساحة الوطن العربي البالغة 14 مليون كم2. وهناك تراجع في مردودية الهكتار الواحد وفي كمية الامطار والمياه الجوفية وتناقص في الثروة الحيوانية وتدني الانتاجية في الصناعة ومردودية الزراعة وزيادة الفجوة التكنولوجية مع الدول الأخرى ..الخ. إن هذا الواقع يجب أن يدفعنا الى التوجه وبسرعة لتأمين أمننا الغذائي المطلق على مستوى كل دولة من الدول أو اجراء التعاون والاندماج بين دولنا لتأمين الامن الغذائي العربي.
وهذا يتطلب استثمار اموالنا واحتياطاتنا لاستغلال ثرواتنا المتاحة ونضمن عندئذ التصدي للمخططات التي يخططها لنا الآخرون ونتجنب نقاط الخوف والضعف المستقبلي وكما يقول ( إن دولة أو أمة لا تطعم شعبها فهي ستضطر لإطعام الشعوب الأخرى) إن ما هو متاح اليوم أمامنا قد لا يكون متاحاً غداً وماهو متاح غداً قد لا يكون متاحاً بعد غد ففي تنسيقنا وتكاملنا وقوتنا والعوامل التي تربط بيننا أقوى من العوامل التي تربط دول الاتحاد الأوروبي أو دول النافتا أو دول اسيان فهل نبدأ بالعمل الجماعي العربي؟!