وهذه الحرب التي تديرها ما بات يعرف بـ«غرف سوداء» لا تستهدف فقط الحقائق والمعلومات الآتية أو المتكونة بل تضرب في عمق القناعات وتهدف الى استيلاد أجيال بلا تاريخ وقناعات يمكن التلاعب بتفكيرها وبالتالي ردود أفعالها من بعيد ودون تكاليف باهظة.
وما تقوم به هذه الغرف المنتشرة في دول المنطقة وخارجها في هذا السياق وخاصة إزاء ما يجري في سورية لا يحتاج اثباته إلى أدلة فهناك الكثير منها على مستوى وسائل الاعلام العربية والأجنبية ويكفي ترصد المضامين المتطابقة بين بعض القنوات الفضائية الاخبارية والصحف ووسائل الاعلام الأخرى والعديد من المواقع الالكترونية مجهولة الهوية والتمويل للتأكد من وجود الغرف السوداء التي تعمم الرسائل المراد ضخها في آن واحد على وسائل الاعلام المنخرطة معها دون إغفال توجيهها باعتماد صياغات وإطارات مختلفة بغية تضليل المشاهد أو القارئ والمستمع وإظهار الموضوع على أنه حقائق ووقائع.
واللافت أن دور «الغرف السوداء» وأدواتها تطور من إدارة حملة معلومات مزيفة ومضللة الى لعب دور مواجه للطرف الآخر الذي يمتلك المعلومة الحقيقية عبر التعتيم قدر الامكان على هذه المعلومات والتشكيك بها ومحاولة إشغال المتلقين عبر بث فبركات وأحداث افتراضية هنا وهناك ليس لها أساس من الصحة والمصداقية.
ويعد ظهور العديد من المواقع الالكترونية والقنوات الفضائية فجأة للتعاطي مع الحدث السوري وفقاً لأجندات الغرب واقتصار بثها المرئي والمسموع والالكتروني على ضخ كم هائل من الصور والأفلام والأخبار الكاذبة المفبركة والمعدة بطريقة تحريضية دليلاً دامغاً على وجود عناصر قيادة وسيطرة تتحرك وفقاً لخطط وبرامج محددة تخدم الهدف الذي أوجدت من أجله وهو محاولة زعزعة استقرار سورية.
كما أظهرت تغطية القنوات المشتركة في حملة الضغوط الغربية الأميركية على سورية لمسيرة «رفع أكبر علم سوري بالأمس على أوتستراد المزة» مثالاً صارخاً وحياً على آلية عمل هذه الغرف السوداء ووسائل الاعلام المنخرطة بها حيث حاولت التعتيم والتعمية على حدث المسيرة وما يمثله سياسياً واعلامياً بضخ معلومات كاذبة عن وجود تظاهرات في بعض المدن السورية دعمتها بمشاهد غير معروفة المكان والزمان والمصدر وأصوات معزولة عن الصورة لاعطاء مصداقية لها.
وكذلك الأمر يشكل تجاهل هذه الوسائل الاعلامية لعودة أهالي جسر الشغور الى المدينة وممارسة حياتهم الطبيعية وبالمقابل بث أخبار افتراضية عن تحركات وحدات الجيش وحركة «نازحين» ومواقف دولية مناوئة لسورية دليل على فظاعة الدور التشويهي الذي تقوم به على مستوى المعلومة والوعي وأيضاً التشويش الذهني.
إن الأدلة على «الغرف السوداء» وأدواتها الاعلامية لا يمكن حصرها وأصبحت جزءاً أساسياً وجوهرياً في سياسة القوى الغربية والولايات المتحدة الأميركية لفرض مشاريعها وأجنداتها في العالم عموماً والمنطقة على وجه الخصوص.
لقد أثبت الشعب السوري خلال الشهرين الماضيين أنه لا يمكن أن يؤخذ على حين غرة بالأخبار الكاذبة والمفترضة واستطاع بعد أيام من بدء الأحداث أن يدرك ويعي أبعاد الحملات الاعلامية ضد وطنه ومخاطرها ولكن ذلك لا يكفي ولا بد من الاشتغال الرسمي والأهلي بشكل كبير على نشر المعلومة الصحيحة أفقياً وعمودياً والبحث عن سبل تكفل مع المستقبل دفع المواطن الى استقاء المعلومات من مؤسساته الوطنية على اختلاف أنواعها.